قراءة في كتاب

قراءة نقدية لرواية جلالته الأب الأعظم للدكتور حبيب مونسي بقلم: د. محمد بوخشة

رواية جلالته الأب الأعظم
( الخطر الآتي من المستقبل) رواية الخيال العلمي،
للدكتور الروائي والناقد: حبيب مونسي
……..
قرأت هذه الرواية كثيرا حتى حفظت اجزاءها .
ورغم مرور خمس سنوات على دراستها والعمل عليها كمشروع دراسي . بحث تخرج ماستر .. الا انني لاازال اقرؤها بين الفينة والاخرى ..
فأنا اراها قفزة نوعية في الخطاب الروائي الجزائري الذي استطاع تجاوز الكتابة النمطية الضيقة.. التي سادت في الفترات السابقة التي انشغلت لربما بالمضمون دون الشكل. بل تجاوزت الحدود للكتابة عن الخيال العلمي، واستشراف ابمستقبل..
وكاتبها_ وجدته_ لا يستلهم من قصص الخيال الغابرة، ولا من افلام الهوليود، بل وجدنا امتلاكه لقاعدة يقينية بحتة، أسهمت بشكل كبير في روايته ، هذه القاعدة متمثلة في قرآننا الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، خاصة أحاديث الفتن وغيرها، التي تخبر عما ستعانيه الانسانية، وفي خضم هذه المعانات و الأحداث المتلاحقة، والخطوب المدلهمة، والفتن العاصفة، يحسن بالأديب الروائي أن يستلهم بعض البصائر التي يهتدي بها في دياجير هذه الفتن ليكون عمله مساعدا للقراء على تمثل هذا العالم المتخيّل والاستعداد له، فنحن عرب مسلمون نمتلك هذه القاعدة، و يمكن استغلالها أدبيا وان نشيد عليها عددا معتبرا من النصوص الافتراضية التي تساعد على رسم تلوينات المستقبل وفهم شرطيته..
ومن خلال قراءتي الأولى المتواضعة للرواية ، وجدت نفسي تتوق لإعادة قراءتها مرة بعد مرة، لأجدني أمام كاتبها صاحب الفعالية في الطرح والأسلوب، تجلت فعاليته في التأثير الذي تحدثه في نفسية القارئ، وذلك بما اتسمت به من كشف وتعرية ووصف للوقائع الاجتماعية والفكرية والإيديولوجية، والخيال الذي ضرب في عمق التكنولوجيا المستقبلية، التي نتجت وسط تلك التناقضات التي عرفها ماضي الإنسانية.
تنقلنا رواية ” جلالته الأب الأعظم” بعد أحداث نراها في عصرنا، إلى عصر آخر توقفت وتلاشت فيه جميع الثقافات والديانات، حيث تم للرجل المعجزة ما أراد، فلا يريهم إلا ما يرى؛ اتخذ مما يحصل في العالم من انقلابات وتقلبات وموت للحضارات، أرضية خصبة وسببا مباشرا للوقوع في ما تخيله صاحب الرواية، ساعده على تخيل هذه الرؤية المستقبلية ما يملكه من رصيد ديني وثقافي، حيث كان واضحا ما سينتجه هذا الواقع من الجديد بكل تناقضاته الجديدة. تحاول الرواية عرض المسببات والمرجعيات التاريخية أو الفكرية التي أوصلت الإنسان إلى هذا التحول، وكيف أصبحت الآلات تحل محلّه، وتحكم مصيره، لتعطينا في النهاية -وبعد سنة 2099م- نتيجة حتمية تكررت عبر الماضي السحيق، فكلما تحركت الإنسانية في الإنسان، تحرك معها الكون بأسره، وانتفض معها الخير والعدل، ليقضي على جميع الاختلالات والتجاوزات الحاصلة لقمع الإنسان واستعباده.
يضع الروائي حبيب مونسي أمامنا شخصيات من مختلف أقطار العالم يكتبون رسائل انتحار، أصبحت أنفسهم تطلب الموت وتشتهيه، لربما أيِسَت من ثقل الحياة، وأنفت مما تعانيه…
ثم يسير بنا لتتبع الأيام الزاهية التي عاشها الأب الأعظم -إذ تمّ له ما أراد- بعد التطهير والتقسيم، فرقص على أشلاء العالم الضرير، واستطاع أن يفرض سيطرته كما فرضها من قبله فرعون، أو كما سيسوسها الدجال المسيخ، كان هذا هو بطل الرواية بداية، ذميم الخلقة متبلدُ الشعور كريهُ النفس، متربّعٌ على عرش الاستعباد؛ الذي استطاع أن يستأثر بالتكنولوجيا ليصنع منها العقل المدبّر، “يستخلص منه ثمار كل أزمة من الأزمات” فيكون التطهير بالتصفية الجماعية..وبتطهير الدنيا من ماضيها الأسود، لتتوجه إلى مسار سيطرته، وهو على هذه الحالة، حتى تتوجه الرواية مباشرة إلى البطل الحقيقي (موسى) الذي تربى تحت رعاية الأب الأعظم، ودخل القصر لينهل من معارفه، ويجد الحنان والعطف من قبل وصيفة الحريم اشتار.. وبتتبع سيرة البطل ينقلنا الروائي ويعيد إلى أذهاننا قصة فرعون مع موسى النبي، ليقفز بعدها إلى ما بعد أحداث 2099م والتغيرات الكبيرة التي سيعرفها العالم، والتي سيكون قائدها ومحولها هو موسى نفسه، ليقضي على أسطورة الأب الأعظم وعقله المدبّر، وهنا تنتهي الرواية لتترك المجال للمتلقي تخيّل ما سيحدث من تحرر للعالم وسعي إلى بناء نفسه من جديد.
يستعين الروائي حبيب مونسي في تشكيل خطابه بتقنيات فنية روائية مميزة أنتجت خطابا روائيا جزائريا جديدا من حيث اللغة والبناء والرؤية.
اتننى ان تقرأوا هذه الرواية الجميلة جدا .. وستقفون على فكر متميز واسلوب راق جدا وتصوير آسر ..
حفظ الله أستاذنا حبيب مونسي ومتعه بموفور الصحة والعافية ..
اهــ

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى