إشراقات أدبيةالقصة

قصة قصيرة بعنوان عمِّي ياسين بقلم سوسن نهائلي الجزائر

قصة قصيرة
بعنوان
عمِّي ياسين
بقلم
سوسن نهائلي الجزائر

بجانب تلك الزاوية يقطن عمي ياسين، يتخذ من ساحة المقبرة مسكنا له، هناك على بعد عشرة أمتار يوجد نصف صور هش وهرم، تستوطنه المئات من الحشرات، يتقاسم عمي ياسين معها المسكن، فهي أنيسته في كل الأوقات وشريكته حتى في الطعام، كلما رمى الليل سدوله وأضحت ستائره شديدة الظلام، ينام عمي ياسين في راحة وأمان، يقينا بأن في ظُلمة الليل، هناك جيوشا من الحُماة في حراسته.
هكذا عمي ياسين كان يحكي لي قصته مع حشرات الليل، أحيانا حتى النملات تقدم له ما جنت من حبات القمح وبعض الفتات من الخبز، لقد أخبرني أن لديه عائلة وأصدقاء مقربين، يقطنون معه تحت صور واحد، و يشاركوه الطعام والمرقد، و أحيانا يقومون بإيقاظه باكرا ليذهب باحثا عن ما يسد جوعه ويروي عطشه، فهو بذلك لاينسى عائلته أيضا ليحضر لهم ما جنى من الطعام.
عمي ياسين في سن الثمانين، يعاني من تأخر عقلي، كان يعالج في مصحة الأمراض العقلية، لكن فجأة وجد نفسه يهيم في الشوارع، وكان ملجأه الوحيد والمكان الذي وجد فيه طمأنينة هو ساحة المقبرة، وبالضبط مع حشرات جدار الصور القديم.
في أحد الأيام ذهبتُ لزيارة قبر جدي، وقبل خروجي من المقبرة أردتُ رؤية عمي ياسين لأستمع إلى مغامراته مع أصدقائه من الحشرات، لكني فوجئت بما رأيت حينها..!.
المكان مهجور تماما، لقد جُرِّد من الحياة بحثت في كل الزوايا عن عمي ياسين، لكن لم أجد له أثر، ذهبت أشتم ريحه قرب الصور الهش، اِنتظرتُ طويلا لعلَّى عمي ياسين يعود، لكن دون جدوى!.

وفي كل يوم أعود لنفس المكان، علَّني أراه وأستمع إلى حكاياته فلقد تعودتُ عليها كثيرا، كما تعودت على شراء حصته من الطعام وحتى اللباس، عمي ياسين لا حِس له قرابة أسبوع.
في آخر مرة قمت بزيارة نفس المكان متأملا رؤيته، وقفت مجددا منتظرا قرب الصور، وإذا بي أتفاجىء بِلكم الهائل من الحشرات التي خرجت من جدار الصور، لترسُم لي جملة سقطتُ بعدها منكسرا منهمرا بالبكاء، ‘والدنا قد مات، وعدنا مجددا أيتاما، أيامنا باتت كظلام الليل’
عمي ياسين ماذا فعلت حتى اِهتزت لك الحشرات فأضحى لها مشاعرا؟!، ماذا فعلت حتى اِنتقَلَت الرحمة من قلوب البشر إلى قلوب الحشرات؟!!
وهل للحشرات قلوبا؟؟!!.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى