القصة
قصة قصيرة لحظات تواصل بقلم: “محمد الليثى محمد”
قصة قصيرة لحظات تواصل
وأنا على أحد المقاعد ، أحاور نفسي في صمتي المعتاد .. جاء الجرسون ووضع كوب الشاي أمامي .. وهو يبتسم .. فرد جارى الجريدة .. وعلى صفحة الرياضة لم يحول عينيه ..
كانت الصفحة الأولى مواجهة لي .. بينما الليل يحتوى الشارع أمامنا .
قرأت مصرع إرهابيين بجبال النوبة بأسوان .. أعدت الخبر .. وقرأته ببطء ثم رويت لنفسي كل تفاصيله .. ولأن ذلك يخالف طبيعتي في أن أحفظ خبرا ..كنت اقرأ وأعيد ترتيبه مع نفسي كل مدة .. وقرارات ألا أنساه وأن أرويه قبل أن يبدأ هو في روايته .. قبل أن أنام .. أغلقت عيني ورويت الخبر بصوت عالي قالت زوجتي
– : لقد تغيرت
قالتها وهى تتأملني .. فتحت عينا واحدة فأدارت وجهها إلى الناحية الأخرى .. حاولت أن أتحاور مع نفسي ، لقد تغيرت .. ماذا تقصد ؟
وفى حركة مباغتة استرجعت لحظاتي معها من وقت أن دخلت البيت حتى أغلقت عيني .. لكنى لم الحظ شيئا .. غير المعتاد .. لذلك أغلقت عيني للمرة الثانية ونمت ..
رأيتني بينهم ، بين مساحات الصمت التي يفرضها المكان ، وكثرة الجلوس في مكان واحد ، وانتهاء الحكايات ..خلفهم تماما .. وقفت منحتهم فرصة للتواصل ..كانت كلماتي ، وحكاية الإرهابيين تفتح ألف نافذة في جدار صمتنا ..كنت وأنا أحكى ، قد نسيت نصف الحكاية .. لكن فرحتي بى جعلتني أضيف من حكايات قديمة معادة إلى الحكاية الطازجة .. فرحت لأنهم لم يكتشفوا أن نصف الحكاية معاد .
وأنا بينهم .. تمتد حكايتهم من خلال حكايتي .. ونعود نضحك كأنا مازلنا موظفين جدد نتعارف .. فيشد بعضنا على يد بعض .. ونعود نرسم شخصيات حلمنا المكسور .. في أننا رجال في منازلنا .. رجال نمرح ونضحك مع أولادنا .. رجال في شوارعنا ، نملك تلك القدرة على الضحك من القلب .. وقتل الوقت في الحكايات الجميلة .. كنا نضحك .. حين جاءنا بصوت دراجته البخارية .. وخلفنا تماما توقف .. هبط دفعة واحدة .. وبسرعة وجدناه أمامنا ببذلته النصف كم ورأسه الأصلع .. وصوته الرافض الحزين .. قبل أن يوقع في الدفتر .. سألتاه .. فقال أن الدنيا خربت وأن البوليس هاجم وكر الإرهابيين .. هززنا رؤوسنا دفعة واحدة وجهرنا بها .
– محمد لسه قابلها .
أحمر وجهه .. وتوقفت عدة شعيرات من رأسه ..طارت في الهواء كأنها فراخ مذعورة ..أحسست به كقدر يغلى .. ولأننا كنا أمامه فقد وقف .. وقال بعد أن مسح عرفه :
نسيت أوقع في الدفتر
وأريتني خلفه .. وهو يتصنع النوم على كرسيه .
في الصباح عندما صحوت من حلمي .. كنت سعيدا .. ابتسمت لكل جاراتنا العجائز .. الآني اندهشنا لسعادتي ، وصوتي القوى الذي يجهر بها لكل الناس :
صباح جميل .
كنت قبل أن أخرج قد ارتديت بذلتي النصف كم .. وسرحت شعيراتي القليلة على صلعتى فاختفت أو كادت .. ووقفت أمام المرآة عدة مرات ، كانت زوجتي وهى ترتب يومنا تبتسم .. لكنها قالتها دون أن تنظر لي قالتها وأنا عند الباب ..عدت بسرعة سويت شعرة هنا .. وشعرة هناك .. شددت البذلة .. قالتها دون أن ترفع عينيها إلى لقد تغيرت .. رمقتها بنظره فاحصه وخرجت ..وقبل أن أضع قدمى فوق بدال بذاكرتي الفولاذية ..رحت أغنى مقاطع من أغنيات قديمة ، وعاودتني أمنيتي القديمة في أن أصبح ملحنا .. يتغنى الناس بألحانه
في الطريق كأن هو أمامي في موعده .. ببذلته النصف كم .. بهدوء تجاوزته .. لم أحاول أن أنظر إليه .. أحسست أنه أرتبك .. فكرت بسرعة في اقصر الطرق للوصول .. اخترت حارات وشوارع ضيقة .. لكنى اكتشفت أنه خلفي .. زدت من سرعتي .. فزاد هو .. احساسى به يكاد يملأني .. وصوت دراجته الذي لا أخطئه أبدا قرب أذني .. بصق على الأرض .. لكنى لدهشتي عاد الرذاذ الى .. اكتشفت بعد مسافة أنه يسبقني بمقدار قليل .. لعنته في سرى ، وزدت من سرعتي .. وقبله كنت .. وكان خلفي .. كانوا كما تركتهم في اليوم السابق ، في العام السابق .. كما هم نفس الملابس ، نفس الصمت .. حتى أنه لم يحاول احدهما أن يحول مكانه منذ قرون .. قبل أن أرد تحية الصباح .. قلت لهم لكنهم لم يهتموا .. وكان هذا من عاداتهم أن سمعوا الحكايات المعادة .. حاولت ، لكنهم رفعوا إلى جرائدهم .. وعلى نفس الصفحة أشاروا .. كان خلفي حين كنا قد بدأنا طقوس صمتنا ..لكنه جاءنا وأنتظم في جلسته .. فتح الجريدة ، وأعاد علينا نفس الحكاية بطريقة أخرى ومن خلال مصادر أخرى .. ابتلعت ريقي .. وهو يحكى لهم وهم يتقاذفون حوله كالأطفال .. يتمنع في لحظات ، ويرفض أن يكمل الحكاية .
***
بقلم /// .. محمد الليثى محمد