قصة (كآبة)بقلم /رعد الإمارة /العراق
قصة (كآبة)
فَركتْ زوجة الُمزارعْ عينيها في محاولةِ منها لطرد بقايا النعاس عنهما، قطبتْ حاجبيها الأشيبين وهي تَنصتْ، هل خدعتها إذنها المُرهفة! لكنها كانتْ مُتيقنة تماماً بأن الديك ذو العِرفْ الأحمر لم َيصدر له أي صوت عند الفجرْ ! طيّبْ، هل أصاب ديكنا المعتوه هذا مرضاً ما؟ هكذا فَكرتْ قبل أن تستدير لزوجها الغافي تماماً! هَزّته فصَدرتْ عنه همهمة،َهمستْ بأذنه :
_هل سمعتَ صوتاً للديك ذو العرف الأحمر عند الفجر؟. ردَّ بصوت منهك:
_ لا فقط صوت شخيرك المعتاد!. لكزته في خاصرته بفتور، ََنَضتْ عنها الغطاء وانتعلتْ خفيها ثم مشتْ نحو الباب. في الخارج كان الطقس طيباً! لكن كلاب الحراسة عندما لمحتْ العجوز أخذتْ تنبح نباحاً متواصلاً فموعد فطورها كان قد فات!! وحتى الفرس الوحيدة ذات العرف الأبيض أخذتْ تَصهلُ بغضبٍ مكبوتْ وهي تسير خبباً خلف السياج الخشبي المسّورْ، تجاهلتْ المرأة كل هذه النداءات الُمبهمة والمفهومة واكملتْ طريقها صوب حظيرة الدجاج شبه الُمعتمة!كانتْ ناقمة جداً على ديكها الوحيدْ الذي خلقَ كُلَّ هذا الإرباك! همست لنفسها :
_إنه لم يفعلها من قبل ! مسكين قد يكون مريضاً!أو ميتاً! تباً، لا!. سرعان ماطردتْ هذه الفكرة من ذهنها ولم تسمح لها بالمكوث في رأسها ابداً. أصدرَ باب الحظيرة صوتاً أشبه بالنواح عندما دفعته، هَبّتْ إلى أنفها الروائح العطنة فقامتٰ بترك الباب مفتوحاً ومنحتْ لضوء الشمس وللهواء فرصة أكبر في الدخول، أخذتْ تنظرُ يميناً وشمالاً، ضيقت مابين عينيها وحدّقتْ في نقطة معينة! ليس عند الدجاجة ذات الريش الأسود ولا عند الدجاجات الثلاث ذوات الريش المبّقعْ بالأصفر، بل في ذلكَ الشيء الذي كان ديكاً، والواقف ساكناً مثل شجرة في إحدى زوايا الحظيرة!عندما تقابلتْ نظراتهما، فإن أقصى ما فعله الديك هو إنه قام بتحريك رأسه المتوّجْ بالعرف الأحمر الجميل، أخذ َيهزُْ رأسه يميناً وشمالاً! وحتى عندما إقتربتْ العجوز أكثر منه فإنه واصل هذا الأمر بطريقة آلية مضحكة ! همستْ المرأة لنفسها ! لقد ُجنَّ الديك أخيراً! إنحنت عليه، لكنها عندما َمسّتْ باصابعها رأسه إرتدَّ للخلف لكن ليس لمسافة بعيدة! حَسمتْ العجوز الأمر، مَدّتْ يديها المعروقتين وقبضتْ على الديك، أدهشها إنه لم ُيبدِ أيُ أثرٍ لمقاومة بل إستكانٌ بين ذراعيها، وهو ينظرُ صوبَ الريشة الحمراء التي َهوتْ عن جسده!. َخطتْ المرأة بحملها للخارج فيما أخذتْ الدجاجاتُ الأربع يَصدرنَ قوقأة أخذتَ ترتفع وتنخفض تدريجياً. وَجدتْ إن عليها الإسراع في إطعام الفرس وكلاب الحراسة، ثم هذا وحَدّقتْ في مخالب الديك المنكمشة، إتخذتْ طريقها صوب الدار وَقررّتْ تكليف زوجها بإصطحاب الديك المحبوب ذو العرف الأحمر لطبيب القرية البيطري، إنه رأي صائب هكذا فَكّرَتْ وهي تدفع الباب بقدمها، لحسن الحظ وجدته مستيقظاً وقد إنهمك بتسخين إبريق الشاي، وقفتْ إزاءه تماماً، أرته مابين يديها ولم تنطق بحرف، بل تركت لتعابير وجهها المُتغّضنْ إخباره بفحوى الأمر، رفع حاجبيه مندهشاً قليلاً! تَنهدتْ مُتحسرة وقد أوشكت على البكاء، قالت :
_إنه ديكنا العزيز يازوجي،كما ترى – مست ريشه- أظنه مريض. قاطعها زوجها :
_طيب طيب، لاعليكِ! سأهتم بالأمر، اتركيه على المنضدة، نعم هناك ودعينا نتناول فطورنا، ثم سآخذه بنفسي. إنفرجتْ اساريرها قليلاً، قالت:
_ ليس بي رغبة لتناول شيء، سأطعم باقي الحيوانات، عليك فقط أن ُتسرع بتناول فطورك، سأترك الغالي معك لكن ُكنْ ودوداً معه. قالت هذا ثم إستدارتْ مسرعة واختفت خلف الباب. أخذ المزارع يحدّقُ في الديك شبه الواقف على المنضدة، من خلال ُسحب البخار الُمنبعثْ من كوب الشاي الكبير، أطالَ النظر وفهم الأمر، همس لنفسه:
_ وضعه بائس، ربما لم يعد يرغب بالحياة!حسنا سنرى مايقول بيطري القرية. بعد ظهيرة اليوم نفسه وقبل غروب الشمس بساعتين كان المزارع قد عادَ من القرية، أنزل بعض المؤنْ من على ظهر الفرس ثم قادها برفق إلى حيث مربضها المعتاد. كانت زوجة المزارع تتابع زوجها بنظراتها من خلف زجاج النافذة وقد اتكأتْ بإحدى ذراعيها على حافتها، كان لديها حَدسٌ قوي أشبه باليقين بأن الكيس الورقي الكبير الذي كان زوجها يحمله بحرص يرقد فيه ديكها ذو العرف الأحمر. ألقى المزارع نظرة صوب النافذة، كان يعلم إن زوجته تقف خلفها! ثم بهدوء أنزل الكيس وأطلقَ الديك، َظلَّ الأخير ساكناً في مكانه على الأرض الُمتربة شبه منحني وقد نَكسَّ رأسه! وقفت المرأة إلى جانب زوجها، ٌحدقَّ في عينيها اللوزيتين المتعبتين وهمس لها:
_ أنا آسف حبيبتي، الأمر لن يستغرق طويلاً! هكذا أخبرني البيطري. قال هذا ثم وضع يده على كتفها وربت عليه بود،لم تنطق بحرف، فقط إنتقلتْ بنظراتها من زوجها إلى ديكها ثم أحنتْ رأسها! عاد زوجها يهمس بصوت خافت :
_ الديك هذا، ديكنا المحبوب ذو العرف الأحمر والذي كان فرداً من العائلة قد أصابته كآبة! حاولنا قدر الإمكان! رفض تناول أي شيء، حتى إنه أبى ارتشاف ولو قطرة من الماء، هو لم يعد راغباً بالعيش! هكذا أخبرني البيطري. إنحنتْ المرأة ومَدّتْ اصابعها المرتعشة، أخذتْ تمسحُ على رأس الديك الذي بدا يائساً وساكناً تماماً! تَحسَّرتْ بضعف ثم سارتْ بخطى ثقيلة، لكنها إلتفتتْ برأسها وهمستْ فيما كانت عيناها مستقرتان على رأس الديك:
_ سأنام باكراً هذا المساء. سار كل شيء بعد ذلك كالمعتاد،أطعمَ المزارع باقي الحيوانات، وحاول مراراً إطعامَ الديك، لكن دون جدوى!حتى إنَّ الدجاجات المبقّعاتْ حامنْ مطولاً حوله، وأخذتْ الدجاجة ذات الريش الأسود تقترب منه وتدور ثم َترتدُ خائبة لمكانها! وقبل غروب الشمس بقليل كان الديك ذو العرف الأحمر قد مات أخيراً! وقف المزارع فوق رأسه، أحضرَ رفشاً وحفر حفرة ليست ببعيدة عن الحظيرة، وقبل أن يهيل التراب كان قد انتزع بعضاً من الريش الأحمر الطويل عنه! ثم أهالَ التراب وَثبتَّ الريشات فوق قبره الصغير! وغير بعيد عنه كانت كلاب الحراسة قد نَكسّتْ برؤوسها فيما صَهلتْ الفرس عدة صهلات قصيرة، قبل أن تصمت هي الأخرى. (تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق