إشراقات أدبيةالقصة

قصّة الموعد بقلم القاصّة المصرية: سهام رمضان محمد حسن

بقلم /سهام رمضان محمد حسن
البلد/مصر*اسوان
الموعد
مقدمة
حين تسقط أنت فقط من لديه الخيار أن تقف ثانية أو تظل مكانك ،حين تسير في طريق خطأ انت فقط من لديه الخيار أن تكمل الطريق بلا فائدة أو تعود ادراجك، حين تجرح أو تكسر أنت فقط من لديه الخيار أن تترك ذلك الجرح ينزف أو تضمده و تجبر كسرك.
فك قيود اليأس ،حطم اسوار الحزن حولك….
• لكن حتما سيكون لنا موعد اخر
كانت تلك كلمات هدي لنفسها بعد قراءة رسالته الاخيرة.
حبيبتي هدي انا لن آتي في الموعد المحدد، بسبب بعض الظروف .
وقفت هدي والرسالة في يدها و الدمع يآبي ان ينزل ، تختنق لا تستطيع التنفس تشعر بالدوار تكاد ان يخشي عليها، فحياتها الان تمر امامها اما ان تواجه ما ينتظرها خارج الغرفة او تعود لتلك القوقعة منطوية حيث كانت ،فهي تذكر تلك القوقعة التي خرجت منها للتو، ولماذا خرجت ،و هل تعود لها بعد ان خرجت للعالم ،لكن كيف ستواجه هذا العالم المخيف وحدها، هل ما رأته من امل كان سراب!. هل سينتهي ذلك الحب بتلك الرسالة ،هل كان ذلك الحب مجرد لعبة واي لعبة و يا لها من نهاية .
بينما كانت العروس هدي في غرفتها تفكر كيف ستواجه مصيرها
دخلت اختها الصغرى عليها الغرفة
• أما زلتي غير مستعدة لقد حضر الجميع لقد تأخرت و تأخر آسر أيضا، وما تلك الورقة التي بيدك ؟
حيث كان اليوم هو حفل خطبة هدي، الزينة في كل مكان و الاضواء بألوانها الزاهية تضئ المكان بالفرح والحان الموسيقي تعلو فقد حضر الجميع للتهنئة ،حضر الجميع للاحتفال لكن اين العريس ؟
ظلت هدي في مكانها واقفة و الدموع متجمدة في عينيها شاردة لم تجيب علي اختها الي ان قاطعتها متسائلة مجددا :
• اين آسر زوجك المستقبلي الخطيب المنتظر
قالتها و هي تضحك لكن قاطعتها تلك الدموع في عينا اختها
• لن يكون كذلك و لن يكون نفس المصير.
• اي مصير تقصدي؟
• أنا لا افهم ماذا تقصدين.
• ستفهمين كل شيء الآن.
خرجت هدي من غرفتها لتخبر الجميع أن هذا الزفاف انتهي ،خرجت متقبلة جرحها ،خرجت بعد ان قررت انها لن تعود لتلك القوقعة ،فهي تعلمت كيف تواجه ،كيف تقرر، تعلمت ان تحلق وان تطلق العنان لقلبها و فكرها ،تعلمت ان تحول لحظة الانكسار لقوة ترمم نفسها. خرجت مبتسمة
• أسعدني حضوركم جميعا و أشكر الجميع علي الحضور و اود ان اخبركم ان الحفل انتهي .
علت اصوات الجميع في عجب مما حدث واخذوا يتغامزون و يتلمزون ، و ظلت هدي صامدة و كأن شيئاً لم يكن. و انتهى العرس .لكن لم تنتهي الحياة، ربما انتهي الحبيب لكن لم ينتهي الحب ،انتهت قصة لم ينتهي العالم.
عادت هدي لغرفتها غير مصدقة لما حدث تتمني ان لو كان كابوس تستيقظ منه في اي لحظة غير مصدقة ان حبها قد انتهي بمجرد رسالة . لكنها الحقيقة المؤلمة التي عليها التعايش معها .امسكت هدي بالرسالة لتقرأها مرة ثانية متأملة كلماته الكاذبة ،كلماته القاتلة .التي اطاحت بقلبها.
• حبيبتي هدي
قرأتها و ضحكت ضحكة يخالطها البكاء.
• حبيبتك ،كيف للحب و الغدر ان يجتمعا سويا ،كيف ندعي الحب و نتقنه و لا نشعر به داخلنا .!
• لما لا يتراجع الجاني عن ارتكاب جريمته حين يري براءة المجني عليه ،حين يري ثقته به و احساس الامان معه.!
• لما الخيانة ؟
• و كيف يكمل الجاني حياته بعد ارتكابه الجريمة و كيف يغمض عينيه ؟
• لماذا لا نعدل من نوايانا الخبيثة امام نقاء الطرف الثاني ،اي قوي شيطانية تلك التي تحركنا ؟!

طرقت اختها الباب تستأذنها الدخول بعد ان انصرف الجميع،مسحت هدي دمعها مسرعة،
• تفضلي بالدخول
• هل انت بخير يا هدي ؟
• نعم بخير اطمئني يا حبيبتي .
ثم خرجت و اغلقت الباب خلفها لتجلس هدي مع ذكرياتها حزينة منكسرة ، تتذكر اول حوار لهما ،تتذكر اول نظرة خاطفة و كيف اسرتها.. حين استوقفها أمام منزلها اول مرة.
• كيف حالك يا آنسة هدي ؟
• هل تعرفني لتسألني عن حالي؟
• وكيف حالك جدتك اليوم
نظرت له هدي نظرة استعجاب و نظرة خوف ايضا.
قال لها ضاحكا :
• لا تخافي ،فأنا هنا من أجلك .
نظرت له نظرة اخري غاضبة ثم تركته و اكملت طريقها و لم تبالي لكلماته ،فكانت حياتها كلها منحصرة بين البيت و قضاء مشترياتها او زيارة بعض اقربائها ، حيث كانت هدي شديدة الانطوائية ،تخشي الاختلاط بالعالم ،ليس لديها هوايات تمارسها او اهداف تسعي لتحقيقها سوي مراعاة جدتها و اختها. اصبحت كل احلامها مجرد ذكريات تستدعيها في لحظة حنين للماضي. اصبحت هدي البالغة من العمر عشرون عاما كأنها امرأة عجوز بالية.
مر ثلاثة ايام من اللقاء الاول ظل آسر ينتظرها امام منزلها يوميا ،ينتظر خروجها من ذاك القفص دون فائدة ،الي ان جاء اليوم الرابع ،تلك اللحظة التي خرج فيها العصفور من القفص ،شعر آسر و كأن الشمس طلت بنورها بعد سواد الليل الحالك. تركها لتعبر الشارع ثم استوقفها ،
• صباح الخير يا أميرتي
• انت ثانية ،ان لم تكف عن ملاحقتي سأتخذ موقف لن يروق لك.
• انا لا الاحقك
• اذا بماذا يسمي هذا.
• انا احبك منذ النظرة الاولي ،فانا اعلم عنك كل شيء .
• ان كنت حقا تعلم عني كل شيء ،كنت ستعلم اني لا اؤمن بتلك السخافات.
• هل لا تؤمنين بالحب ؟
• يبدو انك شخصا سفيه ،اضعت وقتي بما يكفي.
ابتسم ساخرا من كلماتها ،
• انا لست سفيه أميرتي ،بل انا عاشق
• بل انك مجنون.
• نعم ،مجنون في حبك
شعرت هدي بخوف ملئ قلبها و اصابتها رعشة سرت بجميع جسدها ،همت بالرحيل لتكمل طريقها تاركة كل هذا خلفها ،حتي استوقفها قائلا
• لن أهدئ حتي ينبض قلبك بحبي.
استدارت نحوه يملئها الغضب.
• اتركني وشأني .
• اعلم انك عانيتي الكثير و ان حياتك تقبع خلف ذاك السور، وانت اصبحت أميرتي لذلك احب تحريرك من تلك الاسوار الكامنة داخلك.
• من انت و من اعطي لك الحق بكل هذا؟!
• انا آسر عاشقك ،و حبي لك هو من اعطاني هذا الحق.
• حياتي التي تتحدث عنها ليست ملك لي، اما عن ذاك الحب ،فالحب فقط موجود علي ورق الروايات.
• اما عن عالمي فلن اتركه لان انا هنا بأمان.
• سأكون انا امانك.
• انا لا اعلم شيء عن العالم الذي تتحدث عنه.
• سأكون مرآتك التي تعكس لك كل هذا.
• ستري العالم بعيوني. سأكون دوما بجوارك.
• انك كاذب .
• اتركني و شأني فقلبي لا يحتمل جرح جديد.
• دعي الايام تثبت. لن اتحدث عن نفسي كثيرا و لن اقول لك اشعار ، فالرجال افعال لا اقوال ، فقط الايام وحدها شاهدة علي ما اقول .
تنهدت هدي بألم وقالت بينما تمسح دموعها ،
• حقا لقد ثبتت الايام ، حقا قد شهدت علي المكر والخديعة ،لقد شهدت علي الغدر و الخيانة.
• حتما سيأتي موعد نلتقي فيه ،سأظل انتظر ذلك الموعد ،حتما ستعود نادما لكن حين تعود لن تجدني خلف تلك الاسوار، لن تجد ذلك العصفور الضعيف داخل القفص ،لقد تحول العصفور لنسر يعشق التحليق عاليا ، يعشق ان يظل رأسه عاليا ،يآبي الاسر.
لقد قررت هدي ان تكمل تعليمها الجامعي ،قررت ان تخرج للنور ،لقد اقسمت بأنها لن تعود تلك القوقعة ثانية ، قررت ان تحول هذا الانكسار الي نجاح ينبهر منه الجميع ،ربما اخرجها آسر من القفص لكن هي وحدها القادرة ،ربما جعلها تري العالم خارج حدود يأسها لكن هي وحدها من عليها تلوين و تشكيل عالمها. و شرعت في البحث عن عمل بجانب الدراسة. حرصت هدي علي حضور دورات تدريبية لتتعلم لغات جديدة الي جانب دورات و ندوات للتنمية البشرية .
في يوم عادت هدي من العمل متعبة و كادت ان تدخل الي غرفتها لتنال قسط من الراحة بينما استوقفتها جدتها،
• اري التعب انهكك يا عزيزتي. تكادي تقتلي نفسك بين دراستك ،عملك و بين احتياجات البيت، هوني عليك يا عزيزتي.
• لا عليك يا جدتي لقد هانت ،انه العام الاخير للدراسة ،ثم سأتفرغ للعمل.
• لما كل هذا ؟ اما زلت تحبينه ؟ام ان هذا شعور بالانتقام ، وان كان كذلك فانت تنتقمين من نفسك ،و ربما هو يحي حياة طيبة.
• لا هذا و لا ذاك يا جدتي. كل ما في الامر اني و جدت نفسي ،وجدت احلامي التي دفنت سابقا. ادركت ان الحياة لا تقف علي اشخاص و مواقف ،بل انها تقف فقط علينا نحن ،نحن فقط يا جدتي ،نعم نحن فقط قادرين علي تحويل مصائرنا.
• أ تذكري يا جدتي حين تركتنا امي بحثا عن كبريائها ولم تفكر قط كيف سنحي بعدها و ماذا قد يصيبنا في غيابها ، وابي الذي اندفع خلف نزوته ،ولم يفكر في مصيرنا ايضا، تذكرين ذلك اليوم الذي تشتت فيه تلك الاسرة ، تعلمين يا جدتي لو سمع كل منهم الاخر لما حدث كل هذا ،لو تنازل احدهم ، لو سامح كل منهم الاخر ،لو تذكروا تلك العشرة بينهم ،لو تذكروا هاتين الطفلتين وهذه العجوز ،لما حدث كل هذا…
• هل تذكرين ذلك اليوم الذي انتهي فيه كل شيء يا جدتي. ذلك اليوم الذي اخترت فيه العزلة و الضعف والاستسلام للانكسار كأن العالم انتهي .
ذاك اليوم كانت هدي في الصف الثاني الاعدادي ،فهي طالبة متفوقة ،لكن ما أشد من الايام قسوة حين تفاجئنا بما تضمره لنا. كانت هدي عائدة من المدرسة يملئها الامل والطموح حيث حصلت علي المركز الأول في مسابقة لأوائل الطلبة، ارادت ان تشارك تلك اللحظات مع اسرتها الصغيرة ،المكونة من اب وام و جدة و اختها الصغرى.
تطرق علي الباب و كأن طرقاتها مقطوعة موسيقية، لتفتح جدتها الباب و يبدو عليها ملامح الحزن، فسألتها هدي :
• ماذا حدث يا جدتي !
• اين امي واين ابي هل لازال في العمل فقد تأخر اليوم.
اخذت هدي تبحث عن امها في ارجاء البيت تنادي عليها بصوت يملئه الخوف
• امي اين انت يا أمي
. فوقعت كلمات جدتها عليها كالصاعقة،
• لن تجدي اي منهم يا هدي.
• لقد تزوج ابيك من اخري ولم تقبل امك بهذا فقررا الانفصال .
ارتمت هدي بين احضان جدتها ،تبكي بانهيار لقد ادركت ان كل شيء انتهي ،
• كيف حدث هذا ولماذا ،أجيب يا جدتي ،وأين نحن من تلك القرارات ؟
• لقد كبرتي يا صغيرتي و عليك تفهم الامر و عليك ايضا الاعتناء بنفسك و بأختك فإيامي باتت معدودة.
• لا تقولي ذلك يا جدتي فأصبحت انت كل شيء .
ظلت هدي ترعي جدتها و اختها الي ان وصلت للمرحلة الثانوية وانهتها ،و عند انتهاء تلك المرحلة انتهت الاحلام بالنسبة لها . حيث شغل اهتمامها بعائلتها كل وقتها و استنفذ كل طاقتها ،فأصبحت مكرسة حياتها من اجل صغيرتها و جدتها التي اشتد عليها المرض. حيث وضعت قلبها واحلامها في صندوق والقت به في الفضاء.
• ما زلت تذكرين تلك الايام يا عزيزتي.
• بل أتناسها دوما.
احتضنتها جدتها و قبلة جبينها ،
• فليحقق الله جميع امنياتك و ليشف جميع جروحك يا طفلتي..
قبلت هدي يديها ثم دخلت غرفتها لتفكر فيما قالت جدتها،
• هل حقا مازال بقلبي ام اني اود الانتقام.؟
• لا لا انه ليس انتقام ؛ كيف انتقم و انا لم اؤذيه ولم اتمني له هذا.؟
• اذا ماذا ؟
سكتت هدي تقاوم احساسها ،تكذب نفسها ،تضحك علي عقلها ،لا تريد مواجهة الحقيقة الكامنة بقلبها ، فأجابتها دموعها ، اغمضت عيناها و اخذت نفسا عميق مرددة بغضب،
• لا ،لن يكون هذا صحيح ، لن يكون بقلبي .
ما بك يا قلب تهوي من اراد هوانك
ما بك يا قلب تهوي من اراد عذابك
• لا لن يكون للماضي تأثير ، انه المستقبل و المستقبل فقط.
بعد يوم طويل من المشقة و التعب و كثرة التفكير غرقت هدي في النوم لتستيقظ في الصباح الباكر تستقبل يومها بابتسامة يملئها الامل ،تملئها الارادة ،فكان عليها الاستيقاظ مبكرا لتمر علي المكتبة لشراء بعض الكتب و المراجع اللازمة لإجراء الابحاث المطلوبة بالجامعة. حيث اصبحت تقصد المكتبة يوميا تقريبا منذ التحاقها بالجامعة ، فكان صاحب تلك المكتبة رجل حكيم ذو خبرة واسعة ساعدته في التقرب الي الشباب و الفتيات الواردين الي المكتبة و كان يقيم بها ندوات ادبية و امسيات شعرية ، حرصت هدي علي حضورها كل امكن لها الوقت ذلك.
• صباح الخير يا عم فتحي
• صباح الخير يا ابنتي
• كنت قد طلبت بعض المراجع هل و جدتها لي ؟
• نعم ، لقد احضرتهم لك ،تفضلي
• و تفقديهم ربما يكون شيئا ناقصا
• اشكرك .
• لكن هل تأذني لي بسؤال يا بنيتي ء؟
• بالطبع نعم.
• اراك تنهمكين في دراستك بشكل كبير علي غير زميلاتك.
حيث كانت هدي من الطلاب الدائمين لديه. ابتسمت هدي واجابته ،
• لانهم يسيرون في وقتهم الطبيعي ، اما انا فأسابق الزمن ،لقد فاتني الكثير، و لا ارغب في تضيع ما بقي لدي من وقت.
• وارغب بالفوز في نهاية ذلك السباق .
• ستفوزين حتما يا هدي، فلكل مجتهد نصيب.
ودعته هدي ، لتلحق محاضراتها بالجامعة .
بينما كانت هدي في الحافلة متجهة للجامعة اذ بكلمات ام كلثوم(انت عمري) تأخذها الي وقت ليس ببعيد ، وقت كم تمنت لو اسقطته الحياة من ذاكرتها ،حيث كانت تلك الأغنية الاولي التي اهداها آسر اياه
اللي شفته قبل ما تشوفك عينيا عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا
انت عمري اللي ابتدي بنورك صباحه
قد ايه من عمري قبلك راح و عدي
• تعلمين يا هدي ان كلمات هذه الاغنية تعبر عن كل ما بداخلي نحوك.
وقفت الحافلة مما قطع شرود هدي واستعددت للنزول محدثة نفسها :
• يا لك من كاذب.
• و كم كنت غبية حين صدقتك.
ثم سكتت للحظة و تابعت
• دعك من الماضي ، وركزي هنا فهنا مستقبلك و هنا انت.
اكملت هدي مشوارها الجامعي و حصلت علي ليسانس الحقوق بتقدير جيد .ثم عملت بإحدى مكاتب المحاماة لاكتساب الخبرة اللازمة فترة من الوقت ،حتي استطاعت تحقيق ذاتها و اثبات جدارتها.
استلمت هدي عقد عمل بإحدى الشركات الخاصة كمسؤول الشؤن القانونية. الي جانت عملها الخاص و علي الرغم من اندماج هدي في العمل الا انها لم تنسي قط موعدها ،ذلك الموعد المنتظر.
بينما كانت هدي في غرفتها تراجع بعض القضايا اذ بجدتها تنادي عليها ،تركت هدي تلك الاوراق المبعثرة علي المكتب مسرعة لغرفة جدتها.
• ما بك يا جدتي وما الذي ايقظك الآن ؟
• هل انت متعبة ،أيؤلمك شيئا ؟
• نعم يؤلمني
• انت يا هدي
وقفت هدي صامتة متعجبة تلك الكلمات تنظر لجدتها غير مدركة ماذا تقصدها. قاطعتها جدتها قائلة
• منذ متي لم تزوري والديك ؟ و الي متي ستظلين ترفضي كل من يتقدم لخطبتك؟
• والداي
قالتها ثم سكتت شاردة و الدمع يلمع بعينيها.
• اظنك نسيتهما
• بل هما من نسيا .
• الي هذا الحد ملئ السواد قلبك ،اين الحب الذي زرعت بقلبك ،هل هذا ما علمتك. ؟
• عن اي حب تتحدثين يا جدتي فقد ولي زمنه ،هل بعد تخلي الام حب ،هل بعد رحيل الاب حب.
• الا تذكرين تلك السنين وكم عانينا ،الا تذكرين تلك المراهقة التي شاخت فجأة و تلك الصغيرة التي تيتمت بلا ذنب .
• اما عن تلك العروس فقد احتضن الكفن قلبها بدل ثوبها الابيض؟
• هل ما زلتي تذكرين الحب يا جدتي ؟
• نعم سأظل اذكر الحب دوما و سأذكرك بان نبتة الحب في قلبك سيغطي ظلها ذاك الحقد و سيطفئ نداها تلك النار المتقدة داخلك.
• فإحساسي لن يخذلني يا بنيتي ،فالإحساس الصادق لا يخذل صاحبه .
• بل يخذل يا جدتي.. حين نثق اكثر من اللازم يخذل ،حين نحب من لا يستحق يخذل .
• انسي الماضي فالمستقبل ينتظرك يا بنيتي ،اصفحي وصافحي الفجر الجديد .
• ما زلت انتظر ذلك الموعد .
قالتها هدي في سرها ثم ذهبت الي غرفتها تعيد حديث جدتها الذي اشعل نار قد انطفأت في قلبها او حسبتها كذلك.
بعد مرور يوميين اصيبت والدتها بوعكة صحية وحين علمت هدي بالخبر هرولت اليها هدي دون تفكير مرتمية بين احضانها.
• هل انت بخير يا أمي
• نعم يا حبيبتي انا بخير منذ رأيتك
ظلا يتحدثان طويلا ثم عادت هدي الي بيت جدتها بعد ان وعدتها بان تزورها ثانية و بمجرد ان دخلت البيت اذا بجدتها مبتسمة و كأن اخيرا قلبها أطمئن.
• الم اقل لك يا هدي ان الحب سيغطي قلبك نورا .
جست هدي علي ركبتيها مقبلة يدي جدتها
• الحمد لله الحمد لله يا جدتي .
بينما كانت هدي في طريقها للعمل اذا بشخص يقف امامها نظرت له مبتسمة لم تكن ابتسامتها بريئة.
كان ذلك الشخص هو آسر ،وقف ينظر لها متعجبا لردة فعلها قائلا
• حسبتك ستتفاجئين لرؤيتي.
ضحكت هدي ضحكة عالية ضحكة تملئها السخرية.
• كنت اعلم انك عائد فكم انتظرت هذا الموعد .
فرح آسر لما سمع ظن انها تنتظره حقا
• اعلم ان اي شيء لن يعوضك ما فات و اعلم ايضا اني جرحتك جرح كبير
قاطعته هدي قائلة
• بل ذبحتني و تركتني انزف دون رحمة ،لقد انتزعت قلبي لتقطعه اربا
• لماذا ،هل كان ذنبي ان احببتك ام اني وثقت بك ؟
• و هل الحب ذنب يستحق العقاب!
ظل آسر صامتا دامع العينين يبدو عليه الندم.
• لكني احبك حقا يا هدي
• لم اكن اعلم اني احبك الي هذا الحد.
قاطعته هدي
• وفر مشاعرك الكاذبة لضحية اخري ،فانا لم اعد ذلك العصفور الصغير الحالم بالحرية ،لأني قد تحررت فعلا.
• انا لم انتظر موعدك هذا لأسمعك منك اعتذار واعذار ولم انتظرك شوقا ،
• بل انتظرت لأشكرك ، فأنت من اخرجني من خلف تلك القضبان و فك سلاسل اليأس حولي
• اشكرك لأن لولا انت ما تحول ذلك العصفور البريء لنسر يحلق عاليا ..
• لولا انت ما ادركت تلك القدرات الكامنة داخلي..
همت هدي بالرحيل و استدارت لتعبر الجانب الاخر من الطريق رافعة رأسها و هي تتنفس الصعداء و كأنها تعانق الصباح لأول مرة و بعد بضع خطوات استوقفتها كلمات آسر
• يا سيادة المحامي الا تعلمي ان قبل تطبيق القانون هناك ما يسمي روح القانون.
• و ان لم تسامحيني فستكون قد ارتكبت نفس خطيئتي ،حينها يتساو الجاني و المجني عليه
استدارت هدي نحوه صامتة
• اعلم ان قلبك ما زال ينبض بحبي وان القلب الذي يحب لا يعرف للكره طريق.
• نعم ما زلت احبك لكن جرحك اكبر من هذا الحب .لقد مضي ستة اعوام و ما زال ينزف ،ستة اعوام و لم يلتئم بعد.
• لقد صدر الحكم ضدك و انتهي الأمر.
• سأستأنف حكمك مرارا و تكررا حتي يلتئم جرحك و يصفي قلبك . سأنتظر موعدك
• إذا ستنتظر ما حييت.
• لا بل قريبا يا حبيبتي فأنا اثق بإحساسي ولن يخذلني ابدا.
اكملت هدي طريقها ولم تنطق بكلمة و ظل آسر مكانه حتي تلاشت هدي من امام عينيه.
و اخيرا رددت هدي لنفسها
• لن يخذلك احساسك حقا ،لقد سامحتك و ما زلت احبك ،لكن أين الثقة التي فقدت وأين الامان الذي ضاع….فلن يدوم الحب دون ثقة دون أمان.
بينما هدي في شرودها اذ بعصفور يقف علي كتفها تضحك قائلة
فلنحلق بعيدا ،فلنحلق مغردين الحان الحياة….

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى