قِصَّة الجَرِيمَة “زوجة خادعة” بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت
تَكَحَّلت السَّمَاء بِالسَّوَاد القاتم إلَّا مِنْ تِلْك الخَيَالَات التي كَانَت بِسِمَات الْخُفُوت تَرْمَز إِشادَةٌ الرَّهْبة وعميق الرُّؤية يَرَاهَا حَقًّا مُعْضِلة .
زَادَه الْأَمْر غَرَابَة ، قَطْعًا أَنَّهُ قَاتَل الأَخِير .
دَفَع الْمُحَقق ذَلِك الْمَشْهَد نَحْو ثَورَة ، حَتَّي هَاج وَمَاج زاعقا :
قِف أَنَا أَرَاك فَلْتَثْبت عِنْد الحَافَة .
جَذَبَه الطَّبِيبُ الَّذِي كَانَ يُلَازِمُه دَائمًا عِنْدَ الْعَوْدَة لمسكنة بِجِوَار بُرْجُ الْمُراقَبَةِ بمحازة المرْسِيّ ، حَتي قَال منفعلا :
تَمَسَّك أَعْصَابك أَنَّهَا خَيَالَاتٌ اللَّيْل الرَّهِيبَة .
خَرَج المُحَقّق عَن شُعُورُه قَائِلًا :
أَنَّهُمَا يتلاحقان ، اُنْظر وَاحِدٍا مِنْهُمْا قَتْلَ الْآخَرَ ، قِف عِنْدَك وَإِلَّا أُطْلِقَت الرَّصَاص .
نَظَر الطَّبِيب الشَّرْعِي قَائِلًا بِعَيْن التَّعَجُّب :
انْتَظَر لَا تُحَاوِلْ إطْلَاق النَّار .
إنَّمَا فَاتَت اللّحْظَةِ الّتِي قَطَعَ السَّيْف الْعَزْل وَأَطْلَق المُحَقِّق طَلْقَة نَارِيَّةٌ ضارية ، مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ بُعْدٍ أمْتَار عَالِيَة ، سَقَط ، مِمَّا آزَاد أَفْزَاع الطَّبِيب وَالمُحَقِّق ، صدما يمتطون الْجَرْي شَقّ الظَّلَام .
عِندَ الوُصُول كَانَت المُفَاجَأَة ، الّتِي تَوقَّفَ لَهَا نَبْض الشَّرَايِين .
خَرَج الطَّبِيبُ عَنْ وَعْيِه متلفظلا :
تالهي هَذَا الجُنُونُ عَيْنِه .
اتسَعَت عَيْن المُحَقِّق متسائلا :
أَيْن الجُثَّة ؟ ! التِي وَقَعَتْ مِنْ أَعَلَيّ بُرْجُ المُراقَبَةِ .
قَالَ الطَّبِيبُ فِي بَلاَهَةٌ :
لَا جُثَّة وَلَا شُخُوص .
أَعْلَن المُحَقِّق شَتَاتٌ هلعت مِنْ أَجْله ظُنُونَه ، حَتَّي ارتجفت أَوْصَالُه صَارِخا :
أَنَا قَاتَل ، حَامِي الحَمْي قَاتَل ، مَنْ يَأْخذ حَقّ المَقْتُول مِنِّي ؟ !
لَازِمَةٌ الطَّبِيب الشَّرْعِي قَائِلًا بتعاطف :
لَا تالهي ، أَنْتَ قَتَلْت الظِّلّ الْأَسْوَد .
نَهْر الْمُحَقِّق الطَّبِيب بِقُوَّة قَائِلًا بهوس :
مَنْ كَانَ يتشاجرا باعلي الْبُرْج ؟ ! مِنْ الَّذِي سَقَطَ ؟ ! بَعْدَ أَنْ لَقَّنْتَه برصاصة ضارية ، لَا تنْكَر
الْحَدَث .
صمْت الطَّبِيب الشَّرْعِي يُنَكِّسُ رَأْسَهُ ، متمتم :
لَن أَنْكَرَ هَذِهِ اللَّيْلَة الْغَرِيبَة .
قَالَتْ الْمَرأَةُ بِتَوَسُّل عِنْدَ بَابِ المخفر ، أنقذوني أَنَا الْمَرأَة الضَّعِيفَة ، مَات زَوْجِي مَقْتُولًا و هَرَب الْقَاتِل .
أَجْلَسَهَا الْمُحَقِّق يَتَمَالَك بِنَفْسِه الْبَاقِيَة ، حَتَّي قَال مُرْتَبِكا :
عَلَيك بِسَرْد حكايتك وأنا اسْتَمَع .
كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ اضنت بِهَا الْمَرأَةُ لَهَيْب قَلْبُهَا ، تَحَدّثَت عَنْ قَضِيَّةِ لقبت بِهَا بِـ ” ناشز ” وَمَشَاكِل زَوْجِيَّة سَابِقَة ، وَتَخَلُّفَهُ عَنْ المجيئ لعائلتها لتفاهم ، حَتَّي جَاءَهَا خَبَر قَتَلَه .
تَسَاءل الْمُحَقِّق بِلَا مُبَالَاة منهكا :
كَيْفَ عَلِمْت الْأَمْر ؟ !
قَالَتْ الْمَرأَةُ :
تَنَاوَل الْآخَرِين الأَخْبَار ، قَائِلِين عَن جثةملقاة أَسْفَل بُرْجُ الْمُراقَبَة .
جَزِع الْمُحَقِّق متأبط الطَّبِيب الشَّرْعِي ، حَتَّي أَن رَأْي الْجُثَّة تُغْرَق فِي بَحِيرَة دِمَائِهَا ، لجت النَّظَرَات تجحط مِن عُيُونَه المفزعة قَائِلًا :
لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جانِي .
قَرَّرَ الْمُحَقِّقُ الِاعْتِرَاف قَائِلًا لِطَبِيب الشَّرْعِيّ :
أدْرَكْتُ أنَّ الأَمْرَ كَانَ بِلَا مَزْحَة ، هُنَاك قَتْلِي وضحايا ، وَأَنَا مُشَارِكٌ بِهَذِه الجَرِيمَة .
جَلَس الطَّبِيب الشَّرْعِي مُتَأَسِّفًا نَحْوِ الْأَمْرِ ، قَائما يُفَوَّض أَمَرَه لِلْقَدْر :
عَلَيْنَا أَنْ نؤيد الْقَضِيَّة ضدد مَجْهُولٌ .
ثَار الْمُحَقِّق صَارِخًا :
كَيْفَ ذَلِكَ ؟ ! وَالْقَاتِل حُرٌّ طَلِيق بِلَا حُسْبَان .
نَهَض الطَّبِيب قَائِلًا :
مَسْرَح الجَرِيمَة بِهِ مِنْ الْفَوَارِغ طَلْقَتَان ، طَلْقَة فَارِغَة تَخُصّ سِلَاحَك وَطَلْقَةٌ بِدَاخِل جُثَّة الْمَجْنِي عَلَيْهِ .
اسْتَكْمَل الطَّبِيب قَائِلًا :
نَشِب الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَزَوْجَتِه ، بَعْدَمَا اِكْتَشَف أَنَّهَا تَرُوج للخديعة ، حَيْثُ لَهَا الْيَدِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ الْجَرَائِم ، التِي تَنْطَوِي تَحْت الْحَدَاثَة والتكنولوجيا .
اِنْبَهَر الْمُحَقِّق قَائِلًا :
ياللهي ، لَقَد رَأَيْتُهُمَا يتقاتلان بِأُمّ عَيْنِي .
اسْتَكْمَل الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
تَعْمَل هَذِهِ الْمَرأَةِ فِي تِجَارَةٍ العدسات اللَّاصِقَة ، التِي تَجْعَلُك تُرِي الْأَحْدَاث الْمَاضِيَة وَكَأَنَّهَا حَدِيثِه اللَّحْظَة ، وَهَذَا السَّبَبُ الَّذِي دَفَعَ الزَّوْجُ ، إلَيّ احتجازها بِبَيْت الطَّاعَة لَكِنَّهَا لَمْ تَنْفُذْ ، لِذَلِك أَصْبَحْت ناشز .
صمْت الْمُحَقِّق مِن رَوْعِه مَا اِسْتَمَعَ إِلَيْهِ ، متمتما :
لَكِن ، كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ !
قَالَ الطَّبِيبُ :
أَجْهِزَة حَسَّاسَةٌ تتحكم بِهَا الْمَرأَةُ فِي عدساتك اللَّاصِقَة ، حَتَّي تُرِي مَا تريدك هِيَ أَنْ تَرَاهُ .
قَالَ الْمُحَقِّقُ مُتَغَيِّبا :
اِخْتَفَت العدسات اللَّاصِقَة مِنْ الْبَيْتِ بَعْدَ الْوَاقِعَة ، هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ ، لَكِنْ مَا الدَّافِع ؟! لَزِجٌ بِي فِي قَضِيَّةٍ مَقْتَل الزَّوْج .
قَالَ الطَّبِيبُ متحمسا :
حَتَّي تَفَقَّد الثّقَةُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، تَجْعَلُك مُدَّان وَتُؤيد الْوَاقِعَة ضدد مَجْهُول ، تُرِيد الْمَرأَةِ أَنْ تَتَخَلَّص مِنْ زَوْجِهَا لِأَجْل زِيجَة أَخِّرِي وَتَوَدُّ أَنْ لَا تُدَان .
تَرَنَّح الْمُحَقِّق كَأَنَّه اِسْتَفاقَ مِنْ وَهْمِ :
لَكِنْ مِنْ الْقَاتِل ؟ ! متي تَمّ الْقَتْل ؟ ! فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ .
قَالَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ :
أَثْبَتَت التَّحْلِيل أَن الْجُثَّة سَقَطَتْ مِنْ أَعَلَي الْبُرْج ، بَعْدَ تَمَامِ الْعَاشِرَة أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِك الْخَيَالَات بِنِصْف سَاعَة ، وَكَان مَقْتُولًا بِهَذِه الرَّصَّاصَة .
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ بِسَبَّابَتِه :
إذَا الْأَمْرُ بِهِ خُدْعَة ، حَتَّي اؤيد الْقَضِيَّة ضدد مَجْهُولٌ .
اِبْتَسَم الطَّبِيب الشَّرْعِيّ قَائِلًا :
هَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ إثْبَاتِه .
نَهَض الْمُحَقِّق وَكَأَنَّه عَادَ مِنْ حَلِمَ مُرِيع مُسْرِعا باقولة :
بَلْ الْمَطْلُوب إثْبَاتِه وَإِحْضَارِه هَذِه المجرمة .