قِصَّة اللُّغْز بقلم الأديبة عبير صفوت
قِصَّة اللُّغْز
قَد جَاءَك طَلَبًا بِبَيْت الطَّاعَة؟!
بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت
متوعكة ، يَتَجَلَّى الْأَمْر غُضُونِه ، تتحاكى ، لَا تعى أَو تَنْهَى ، فَم يُرْوَى ، وَيُرْوَى ، وَلَا يَتَأَهَّبُ لاحبولة ، أَضْوَاء وانعكاسات ، لَيْسَ بِهَا إلَّا التَّشْوِيش يَحْيَا ، ويربض بالذكرى ، ثِقَلًا وَإِشَارَةٌ تَسِير ببطئ بِرَأْس ، تَدُور فِيه الْعَوَالِم ، وقصيد الْحِكَايَات ، وَلَم يُفْطَن الظَّنّ حِينِهَا ، إلَّا بمخادع ، قَد ، انْكَشَف أَمَرَه .
اعْتَدَل الْمُحَقِّق “قسم ” بِمَقْعَدِه الْمُتَحَرِّك ، قَائِلًا ، بَعْد اِلْتِقَاط نَفْسِه الْأَخِير ، بتنهيدة :
تَقُولِين ، قَد جَاءَك طَلَبًا بِبَيْت الطَّاعَة ؟ !
أَرْشَد الظَّنّ ، مَخِيلَة الفَتَاة العشرينية ، قَالَت وَهَى تَخْفَى وَجْهَا عَن الْعَالِم ، بِالْيَأْس :
حَتَّى الْآنَ لَا أُدْرِكُ ، مَنْ هُوَ الزَّوْجُ .
كَاد الْمُحَقِّقِ أَنَّ يَضْحَكَ ، لَكِنَّه تَماسَك قَائِلًا :
أَلَمْ تَرَى ؟ ! إيَّاهُ يَوْمَ الزَّوَاج .
اِقْتَلَع الْغَضَب زَرِيعَة الْيَأْسِ مِنْ وَجْهٍ “عفاف” تَعْتَرِض أَقْوَالِه ، متنمرة :
أَنَّا لَمْ أَتَزَوَّجْ ، فِى صَمِيم الْأَصْل .
انْدَهَش الْمُحَقِّق ، فِى وَطْأه لَحَظ ، كَان الطَّبِيب الشرعى يَنْظُرُ مِنْ الْجَانِبِ هَذَا ، فِى ظِلّ الغُمُوض ، متريس عَن قَفْزَة بِهَا النِّيل بِجِدّ .
حَيْث تَوَاصَلَت “عفاف ” بلكنة ، طَابَت لِلْمُحَقِّق لَحْظَة ، حِينَ قَالَتْ والدموع ، تَقَرَّر ، مِن عُيُونُهَا الانتحار ، وَالأَضْوَاء بشفتيها تَنْهَار :
هُنَاكَ أُمُورًا قَدْ حَدَّثْتُ ، وَلَمْ أَكُنْ الْفَاعِلَة ، كَدّ لِى مَنْ لَا أَعْرِفُهُ
.
وَأَصَرّ الْمُحَقِّق ، أَنْ يُثِيرَ الذِّكْرَى فِى بَاطِن الْفِكْر ، بِعَقْل “عفاف” بِبَعْض الْأَسْئِلَة ، خِلَافُ ذَلِكَ ، قَالَتْ عَنْ وَاقِعَةٍ :
كَانَت العربات سَرِيعَة ، والفوانيس البلاسْتِيكِيَّة ، تَعْكِس إشَارَات بِغَيْر مَوْضِعِهَا ، أَوْقَف الْأُمَنَاء عربات عِدَّة ، لاَ أَدْرِى عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ ، كُنْتُ أَنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ، وُد الْأُمَنَاء وَالضِّبَاط ، يَقُومُوا كُلًّا مِنْهُمْ بِالتَّحْقِيق مِن هَوِيِّه وَقُدِّمَت أَوْرَاق سيارتى ، لَمْ يُكَلِّفْهُ الْأَمْر الِاعْتِنَاء ، مِمَّا جَعَلَهُ يُشِير صَوْب سيارتى ، لَهَا التَّوَقُّف جَانِبًا .
وَقَدْ كُنْت ، مِن قانطين السويعات بالعربة ، وَقَد اجهدنى الصَّبْر ، وطالع فَكَرَى ، أَن اناورة بِسُؤَال ، عَن تواجدى بِلَا سَبَبٍ . وابتسم الضَّابِط ، وَقَد بدى عَلَيْه التفاجأ ، حَتَّى قَالَ ، بوجها لَطِيفٌ :
لَا عَلَيْك ، إمْضَاء صَغِيرٌ ، عَلَى هَذَا الدَّفْتَرِ وترحلين .
قُمْت بِالْإِمْضَاء ، وَلَم اعى مِن الْإِجْهَاد ، مَا تَمَّ الْإِمْضَاء عَلَيْه ، ورحلت ، وَقَد ساورنى القَلَق لَمْحَة ، أَنَّ هَذَا الْوَجْهِ ، أَبَدًا لَا يَكُونُ لضابطا مِن الضُّبَّاط .
شَطْر الْمُحَقِّق ، مَجَالًا مُتَبَادَلٌ النَّظَرَات ، بِالطَّبِيب الشرعى ، الَّذِى كَانَ يُشَارِكُه بِأَجْفَانِه ، وَضْعًا مُسْتَكِينٌ ، وَتَسَاءَل “قسم” وَكَأَنَّه يُمْلِى الْأَوَامِر عَلَى الطَّبِيبِ الشرعى :
مِنْ دُبُرٍ الْكَيْد ؟ ! هَؤُلَاء الْأُمَنَاء وَالضَّابِط المنتحلين ، وَقَد اِقْتَرَب الْجَمِيعِ مِنْ العَرَبَة ، أَلَيْس كَذَلِك ؟ !
أَجَابَت ” عفاف” :
نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ
وَقَد تَسَاءل الْمُحَقِّق ، عَنْ زَمَنِ الْوَاقِعَة , حَتّى قَالَتْ صَاحِبِه العَرَبَة :
كَانَ بِالْأَمْسِ ، وَلَم يَقْتَرِب أَيًّا كَانَ مِنْ السَّيَّارَة ، بَعْدَ هَذَا .
فَطِن الْمُحَقِّق وَالطَّبِيب الشرعى ، مَا كَانَتْ تَقْصِدَه ” عفاف” حِينِهَا غَادِر الطَّبِيب الشرعى ، لِمَأْخَذ العَرَبَة قَيَّد حِصَانَه ، لِأَخْذ العينات . وَأَصْل الْمُحَقِّق حَدِيثِه ، فِى صُوَر التساؤلات :
هَلْ لَك أَعْدَاء ؟ ! أَوْ زَمَنٍ امْتَدَّت بِهِ عَلَاقَةٌ وَانْتَهَت .
ضُغِطت عَفاف بشفتيها السُّفْلَى ، قَائِلُه بشئ مِنْ الْحَرَجِ :
كَان حَبِيب مُخَادِع ، وَقَد رَحَلْت عَنْه ، وَقَد رَحَل هُو .
وَتَابَع الْمُحَقِّق ، حَتَّى عَرَفَ بَعْضَ التَّفَاصِيل ، الَّتِى أَوْضَحْت الْأَمْر ، وَمِنْ ذَلِكَ تَجَلَّت بَعْضِ الْأُمُورِ .
تَسَاءل ” قِسْمٌ ” بِعَيْن الِاهْتِمَام ، لِهَذَا الشَّخْصِ ، الَّذِى كَانَ يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَه المتهدجة ، بَعْضٌ أَنَّ أَخْرُجَ ملفا بِهِ بَعْضُ الْبَيَانَات ، وَمَا يَنُصَّ عَلَيْهِ نَوَاتِج التَّحْلِيل الشرعى ، مُشِيرًا بِأُصْبُعِه :
هُنَا نِهَايَةٌ القصيد .
وَاسْتَمَع الْمُحَقِّق ، يَنْصِب الِاهْتِمَام ، بِوَضْع يَدَيْه الْيُمْنَى ، متكورا بِكَفِّه ساندا لِرَأْسِه , وَلَاح الطَّبِيب الشرعى :
دَائِمًا تَتَحَدّث الْأَدِلَّة ، وَتَثْبُت البصمات ، وَحُسْن الْحَظّ ، كَان نَاتِجٌ التَّفْرِيغ ، لِحِفْظ الْهَوَاتِف .
سَكَت الطَّبِيب رُؤْيَا ، ثُمَّ قَامَ مستفسرا :
هَل قَالَت ؟ ! لَك ” المتظلمة” عَنْ سِرِّ الولع شَأْنُهَا تَسْجِيل اللَّحَظَات .
انْتَبَه الْمُحَقِّق ، بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ نَافِيًا .
وَاسْتَكْمَل الطَّبِيب :
قَد أَشاد التَّفْرِيغِ مِنْ خَزِينَة الْهَاتِف ، تَسْجِيلًا حوارى ، بَيْنَ الضَّابِطِ وَالفَتَاة ، عِنْدَمَا تَحْدُث مَعَهَا ، عَن الْإِمْضَاء فِى سَبِيلِ ، فَض انْتِظَارُهَا ، أَوْ الرَّحِيلِ ، وَقَد تَعَرَّفْت الْجِهَاتِ عَلَى هَذَا الصَّوْتُ ، وتاكدنا مِنْ تِلْكَ البصمات الْمُتَنَاثِرَة ، عَلَى سَطْحٍ العَرَبَة .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق “قسم” الْبَرَاح ، قَائِلًا :
وَقَد بدى لِى الْأَمْر أُحْبُولَة ، مِن متطفلين .
آكَد الطَّبِيب الشرعى :
بَلْ مِنْ الْمُتَحَابِّين .
نَظَرٌ مُطَوَّلا مِنْ نَافِذَةٌ الْمِغْفَر ، متكوما فِى شال ريفى ، رَغِم حَالَة الْبَهَاء وَالزَّهْو ، الَّتِى تَتَحَدّث بثراء حَالَة ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ بزائر ، حَتَّى اسْتَدَار جَانِبًا باريكة عَرِيضَة ، تَوَلَّت نَظَرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِ ، نُسِخَت بِعَقْلِه ، أَنَّ هَذَا الرَّجُلُ الشرقى ، ذَات أُصُول ريفية عَريقَة . صَوْب الْمُحَقِّق تَسَاؤُلٌا :
أَيْنَ هُوَ الْآنَ ؟ ! ياحج “منصور” وَضَع الْحَجّ “منصور” نِهَايَةٌ وَجْهَه ، فَوْق عُكَّازَة قَائِلًا ، بِصَوْت مُؤْمِنٌ :
الْعِلْمَ عِنْدَ اللَّهِ .
أَطْلَق الْمُحَقِّق نَظَرِه مُطَوَّلَة ، مِن نَافِذَةٌ بَعَثَت بظلالها إلَيْه ، قَائِلًا :
وَقَد أُرَاكَ مِنْ الصَّالِحِينَ ، ياحج “منصور”
تَابِعٌ الْحَجّ “منصور” الْأَشِعَّة المنبعثة مِنَ النَّافِذَةِ الْمُجَاوَرَة ، قَائِلًا :
وَهَلْ تَمْنَعُ الشَّرّ ؟ ! مِنْ قُلُوبِ الضَّالِّين .
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ ، لِرَجُل قَائِلًا : يُتَّهَم نجلك بالتزوير لِعَقْد زَوَاج ، مِن فَتَاة تُدْعَى ” عفاف” قَام باحبولة ، وَطَلَبُهَا بَيْت الطَّاعَة ، وَهَل تَعْلَم لِمَاذَا ؟ !
نَظَرٌ الْحَجّ ” مَنْصُور ” بِعَيْن الْوَرَع ، مُسْتَفْهِمًا : لِمَاذَا ؟ !
أَجَاب الْمُحَقِّق ، وَهُوَ يُداعِبُ عِقَابٌ مِنْ السِّيجَار
أَقَام الْكَيْد لَهَا ، مِنْ أَجْلِ صَدِيقِه ، الْحَبِيب الَّذِى تَرِكَتِه ” عفاف” لِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّد .
صُمْت الْحَجّ “منصور” متحجرا ، بجليد تُشْكِل بِهَيْئَتِه ، وَأُقِيمَت النِّيرَان فِى دخائل الصَّمْت ، كامعركة حَامِيَة ، مَظْهَرُهَا إلْيَاس والهزيمة ، قَائِلًا والدموع تَتَحَجَّر بعيناة :
تبصرت بكهولتى الْعَهْد ، وَكُنْت أَظُنُّ حَالِى أَتُبْصِر ، أَمَّا مَنْ بَعْدِ لَحْظَة ، هِى الْآن ، أَنَّا لَمْ أَرَى أَو أَسْمَع مِثْلَ ذَلِكَ .
قَالَ الْمُحَقِّقُ بِارْتِيَاح بَيْن :
هَل يَشْهَد الْحَبِيب وَيَعْتَرِف بِأَفْعَالِه ؟ ! وَلَمْ نَجِدْ الصِّدِّيق الفدائى ، مِنْ أَجْلِ إرْضَاء صَدِيقِه ، حَتَّى الْآنَ .
الطَّبِيب الشرعى ، بِعُيون الْجَدّ :
هُنَا تَسْقُط الْقَضِيَّة ، لِعَدَم اكْتِمَال الْأَدِلَّة .
قَال ” قسم” :
تَسْقُط الْقَضِيَّة ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَدِلَّةِ وَالْكَيْد .
الطَّبِيب الشرعى مُتَذَكِّرًا : إنَّمَا هُنَاك ، اِنْتِحال شَخصِيَّات ، بِالتَّوَاطُؤ وَبِالْإِجْمَاع .
قَالَ الْمُحَقِّقُ : هِى بِالطَّبْع قَضِيَّةٌ أُخْرَى .