المقال

كورونا البشر بقلم محمود احمد الورداني

لـــــلأهميــــة و المنــــاقشــــــة الجــــادة ..

***** كــــــــــــورونـــــــــــــــــا البــــشــــــــــــــر *****

إنني لن أتحدث في هذا المقال عن المرض الشائع و هو * كورونا * ذلك لإنني ببساطة شديدة و وضوح أكثر لستُ بطبيباً بشرياً أو أنني مـُعالجاً نفسياً أو حتى إخصائياً إجتماعياً أو إعلامياً كي أنشـُر بنود و إرشادات توعية كالتي تبثها دوماً كل وسائل الإعلام و مواقع التواصل الإجتماعي سواء مرئية أو سمعية في جميع أنحاء العالم سواء العربية أو الدولية ، في كل ساعة و في كل يوم مـُذ ظهور هذا الفيروس اللعين و جعلنا جميعاً في حالة رهيبة من الذعر و الخوف و عدم الإقتراب ممن حولنا من الناس ، و أصبحت لغة السلام و حتى المصافحة سواء باللسان أو بالإيدي عملاً شاقاً و أضحى رعباً يـُحيط بنا من كل جانب ، ولا ندري متى تنتهي هذه الهوجة الشعواء التي أصابتنا و أصابت مجتمعنا العربي بالشك و الريبة في كل من نصادفهم سواء في العمل أو الشارع أو المنزل أو المقاهي و وصل الأمر حتى المساجد و الكنائس و جميع دور العبادة ، و أضحى لقاء بعضنا البعض مجرد عابري سبيل أو غرباء حتى لا يـُصاب أحد منا بعدوى أو تسرب شيئاً من هذا المرض المشين ! .

إنما قصدت في هذا المقال أن أتكلم عن كورونا أخرى و هي كورونا البشر ، فنحن وسط هذا الهلع و الفزع الذي ينتابنا جميعاً من هذا المرض الذي أجتاحنا و جعلنا أسرى له و عبيداً لهذا الرعب و الخوف منه ، إلا أننا من قبل هذا نعيش في معزل تام عن بعضنا و أصبحنا مـُبعدون تماماً عن أخلاقنا و مشاعرنا الأصيلة التي ولدنا عليها و نشأتنا على قيم الحب الحقيقي و الصداقة الوفية بين الجميع ، و حتى الأدب مع الجيران و الأقرباء و حتى المحتاجين و أبناء السبيل أمسى مع مرور الزمان مجرد لحظات سريعة تمر بنا و نمضي في طريقنا و نتجاهل حقوق هؤلاء في المساعدة و الصلة الوطيدة بيننا و بينهم ، و تناسينا وسط تلك الأحداث و المظاهر التي تطفو بقوة على سطح حياتنا البسيطة تعاليم الله و ديننا سواء دين الإسلام أو المسيحية حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز [ و تعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب ] و قال في الإنجيل المقدس [ أن أحبوا أعدائكم ، فمن ضربك على خدك الأيمن فأعرض له خدك الأيسر أيضاً ، و من أخذ ردائك فلا تمنعه ثوبك أيضاً ] ، و من المدهش حقاً بأننا نتافر من بعضنا و نتجاوز عن أي إنسان يريد مساعدة منا بل نزجره و نقذفه بوابل من الشتائم و اللعان ولا ننظر إلى حاله و ضعفه هذا المسكين ، و أيضاً نشمئز من بعض الرجال و الأطفال المشردة بملابسهم الرثة و البالية و لا ننظر إلى أرجلهم الحافية و هم لا يملكون قوت يومهم و هؤلاء نراهم ملقون تحت الكباري و المنشأت العامة و طرق السكك الحديدية و يكاد نراهم في البالوعات و المصارف الصحية القذرة ، ولا أنسى هؤلاء النسوة اللواتي يجلسن على أرصفة الشوارع و الطرق يتسولون و يركضون خلف كل ماراً بهم من أجل كسرة خبز أو نقود بخسة يشتري بها طعاماً نظيفاً له بدلاً من القمامة الملقاه دوماً أمامه ولا يملك غيرها ، و تلك التي تبيع نفسها و جسدها من أجل العيش و تلك التي تبيع أطفالها من أجل نزوة عابرة و تكون ضحية الفقر و المجتمع و تلك التي تعمل خادمة و مربية لأطفال الأغنياء و هي محرومة من الحب و الإنجاب في ظل من المشاعر السلبية و الأحاسيس اللامبالاية في تلك الحياة التعسة و غيرها الكثير من النساء اللاتي نراهم في هذا المستنقع ، و إذا نظرت إلينا نحن تجد أننا نضع الكمامات الواقية و نمسك بأيدينا و نبتعد عن هؤلاء الضحايا و كأنهم أشياء ملوثة أو ثعابين مسمومة أو حشرة قاتلة تــُريد قتلنا و مرضنا و أصبحت تلك الشرذمة الضعيفة كأنهم مومياء و أشباح و نخاف أشد الخوف من الإقتراب بهم و الإقتران بهمومهم و أمورهم أمسى مرضاً لعيناً لا شفاء منه إلا التطهر و الإغتسال و أصبح كل من يحتك بهم كأنه مجذوب أو مخدوع فيهم !! .

أيها الناس جميعاً لست أدعي بأنني أقول شيئاً جديداً ولا أردد بأنني بنبياً من أنبياء الإنسانية أو رسولاً من الله أو راهباً في معابد الفكر و الثقافة ، بل أعرض هنا صورة من صور هذا المجتمع و هذه البشرية التي نراها ولا نهتم بها و نسمعها و نسمع أنينها ولا نفكر فيها و تموت جوعاً وفقراً و نحن نملأ بطوننا من صنوف الطعام و ألوانه و يظمئون ولا يجدون غير الماء الآسن و المصارف و البالوعات شرابهم و نحن نحتسي العصائر و المشروبات الغازية و يا أسفي على هؤلاء المساكين الضائعين !! .

و عود على ذي بدئ إننا يا سادة نعيش في عالم مضطرب دائماً بكافة الصراعات و من جميع الإتجاهات و إذا مررنا على حياتنا اليومية نجد أننا نتحاصر في مجتمع ضال و إعلام فاسد يفسد علاقتنا و معرفتنا الإنسانية المقدسة و ثقافتنا العربية المتحدة التي ما أنادي بها على مدى عهدي منذ أن تفتحت عيني على الدنيا ، و إنني أظن بأني أول إنسان أو أول كاتب ربما في هذا البيت العنكبوتي من أستخدم إسم المرض السليط [ كورونا ] و أنني أحببت بأن يكون عنوان حديثي هذا اليوم و في تلك الساعة عن تلك الظاهرة العارمة بنا حتى نستيقظ جميعاً من غفوتنا السرمدية هذه و نفتح عيون عقولنا و نور قلوبنا و مصابيح أرواحنا ، و نمـُد يدنا بكل قوة لكل إنسان يحتاج إلينا و نجعله يشـُم أريج الحياة النقية و يرتدي ثوب الحرية الواسع دون أي ثقوب أو رتق و يسمع أزهايج السعادة في كل ميدان و نحقق أمال النساء و الأطفال في تحقيق أحلامهم البسيطة و حياتهم الرغدة ، و ندعو الله العلي القدير بأن يزيح عنا هذه الغـُمة و يكشف عنا الكربة و أن يغفر لنا و يرحمنا و يجعلنا من عباده الصالحين ، و أن نعيش معاً أسرة واحدة و قلب واحداً و ثقافة واحدة و إنسانية واحدة و دماً واحداً و يداً واحدة و جسداً واحداً إلى الأبد و حتــــــــــــــــــــى أخـــــــــــــــــــــر العمــــــــــــــــــــــــــــــــــر ..

هكــــــــــــــــــــــــــــذا أنـــــــــــــــــــــــــا و هكــــــــــــــــــــذا علمتنـــــــــــــــــــــــــــــي الحيـــــــــــــــــــاة ..

و إلـــــــــــــــــى لقــــــــــــــــــاء قـــــــــــــــــــــريب بــــــــــإذن الله ..

مــــــــــــــــــــــــع أرق تحيـــــــــــــــــــــــــاتي / عــــــــــــــــــــــــــاشق الكلمــــــــــــــــــــــــــــــــــات / محمود احمد الورداني

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى