إشراقات أدبية

ما تيسر من الحياة بقلم:// سعيد إبراهيم زعلوك

ما تيسر من الحياة
بقلم: سعيد إبراهيم زعلوك

فقدت كينونتي وذاتي
لم تعد تثيرني حياتي
هذا البحر لم يعد يجذبني للغرق
أريد أن أرجع لروحي
أفتقد غيمة المعاني الجميلة
وأرقص ليغدو قلبي سعيدًا
وأغني لترجع حبيبتي الغائبة
في هذه الأزمنة الباردة
أريد أن أسافر لأبعد المجرات
لا أريد العودة هنا
هذه الأرض أصبحت جرداء
والبشر أصبحوا أكثر وباء
لن تطهرهم الريح
ولن يغسلهم مطر الشتاء
ولن يعودوا لصوابهم مرة أخرى

ومن بعيد، هناك قرب الصفصافة، عند شط النهر، كانت نساء الحي يثرثرن كعادتهن، تتعالى ضحكاتهن غير المدروسة، وكانت تحمل جرتها من الماء، حبيبة القلب الغالية، بكت من هول ما يقلنه عنها من كلام، يعرفن أنها حبيبتي، وأنها عمري.

عند الأصيل كان لقاؤنا عند مجمع النهر، حيث كان قلبي يفيض بالحب، بينما عيناها تسكنهما العبرات، كان هناك في الأرض مخلوق يسمى الحب، رماه الله في هذا القلب، كم أوسعني بكاءً، وأوسعني قلقًا، وأوسعني جراحًا! وقلبي يرفض إلا أن يهادنه ويعطيه جزية الوجع، ولا يشكي ولا يبكي، كان يجعلني أرضخ لأوامره كالعبيد وهو مبتسم، يقول لي: اسكت، لا تجادل؛
هذا هو الدفء في ليالي الهجر وبرد الشتاء، وطعم السكاكر في الماء، ومزيج من الموسيقى والغناء.

كنت أفرح بكوني له عبدا وهو سيدي، كنت أطيعه من دون رفض، كنت أحبه بالرغم من سطوته على قلبي، ولأجل فتاة رائعة تبكي لأتفه الأسباب، أضمها لصدري وأقول: لا تأسي يا حبيبة، سينصلح الزمان، والنسوة العجائز ذات يوم سيصمتن عن الثرثرة اللعينة بأمرنا، وسينشغلن بموت إحداهن، وسيكف لسان إحداهن اللعين عن قذفنا كل صباح وهي تثرثر لنساء الحي: هل شاهدتم الفتى الأشقر يلتقي هذي الفتاة التعيسة، بالله ما فيها ليعشقها؟! كانت تليق به أميرة تسكن أعلى القصور.
لا يعلمن أنها الأميرة الموعودة لقلبي، وساكنة قصور الحب فيه، وتملك ما فيه من حقول وجبال وتلال. ذات شتاء سنتزوج، والقلب أمام الجميع سيزف للقلب تحت مسمع ومرأى من القبيلة، ويزهر قلبانا بحب كبير.

ابتسامة راحلة
وأنين يسكن العيون
شجن يستوطن القلب
والصرخات في الأعماق لا تهدأ ولا تهادن
أريد أن أستفيق من كل هذا الوجع
والصراخ الذي يقتلني
ويخرق القلب بلا إنذار
غدًا سيزهر الليمون
وأقول للجنود لا تغادروا الحدود
هذه البلاد جميلة
وهذا الوطن يستحق الفداء
وهذا العمر يستحق التعب
وهذه الحبيبة تستحق أجمل مهر
وأجمل عمر، وأحلى حياة
في هذه الحياة،
لن ننتصر
ولن ننهزم
هذه الحياة جديرة بالحياة
أن نصارع الأشقياء
لنفوز بالسعادة والهناء
من فرط طيبتها قالت لي أمي:
عش الحياة كما تريد
لا تجزع، ولا تفزع
اعشق الفتيات كما تريد
لكن كن طيب القلب
كن طاهرًا
كن صادقًا
كن وفيًا لمن يدللها قلبك
تكن عروسك، وهمسك
وشريكتك في الحياة
اعشق ولا تتلاعب بالفتيات
يا ولدي، لهن قلوب ضعيفة
فلا تكن ذئبًا
كن أصيل القلب، طاهر الروح
وفيّ العهود

مخنوقة روحي، لا شيء يعيد لها السكون سوى أن أسمع صوتك العذب، ونجلس سويًا في الحديقة، نشم عطر الياسمين، تُسمعنا البلابل غناءها، نستعيد ما ضاع منا من نزيف الروح، نبكي ألف دمعة، نصرخ بأعلى صوت ونحن وحدنا في العراء، ونتضرع لخالق السماء.
يا رب، ألهمنا الحياة لكي نعيش في هناء، وننجب الأطفال ليمجدوك، ويرتلوا اسمك، ونشكرك في السراء والضراء، وأنا الكائن، الساكن قلبي الوجع، المفجوع بالأحزان، يسافر الموت في أضلعي، ولا أموت فأستريح من التذكر والتفكر في آهات الحروب التي تعلق بقلبي، ولا تكف عن الدمار.
أريد فراشًا وثيرًا يليق بعروسي، وطفلة جميلة تشبه أمها، تلهو وتلعب بين أحضاني، أجمع حولي من الأحبة من أشاء، جئت الحياة وحيدًا، ولا أريد أن أحياها وحدي، فبعد موتي طفل يذكرني بدعوة ترطب عليّ قفر ما في القبر من وحشة، أريد أن أطير، وأصعد للسماء، أرافق الأنبياء والشهداء، أكون تحت أرجلهم وأسمع صوتهم.
رباه، أشتاق للسماء، لكل البهاء، هذه الأرض لا تليق بقلبي، أنت تعرفه؛ طيبًا، ويبغض الخبثاء،
والأرض قد صارت لهم وجاء، صاروا يقتتلون لأجل حفنة التراب والذهب، وأنا قط لم أكذب، ولم أغدر، ولم أخن، ولم أترك الصلوات، وأعرف جيدًا قيمة الدعوات، ولم أُغضب يومًا الوالدين،
وأمي كل يوم تدعو لي بالسعادة، وأحب عكاز أبي خلف الباب، أبدًا لم أنهره، كنت أطيع كل ما يقول لي من أوامر .. أريد السماء.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى