معلم في عيادة أسنان للكاتب / محمد شعبان
معلم في عيادة أسنان
للكاتب / محمد شعبان
\_\_¶_¶_¶_¶_\_\_
الآلام باتت تمتد إلى تلافيف دماغي، المسكنات ما عادت تجدي نفعا، أعصاب الأسنان الملتهبة أحالت حياتي جحيما. قالت لي أمي ذات مرة: اذهب للطبيب صاحب الفيزيتا الغالية لأنه بالضرورة سيكون ماهرا خبيرا .. تسرسُب العمر وأيامه أضعف من معنوياتي وزاد من عصبيتي في الفترة الأخيرة، نصحني أبي بعمل فحوصات وبعض التحاليل للاطمئنان على صحتي العامة أو ما تبقى منها .. العمل في التدريس لعشرين عاما أورثني ضغط الدم، وآلام المفاصل. أتذكر جيدا نصيحة الموجه وهو يشير إلي بسبابته : إياك أن تمسك الطبشور وتقف أمام الطلاب بغير تحضير وإعداد قوي ..
في الجلسة الثانية لحشو الجذور. بدت العيادة هادئة، فجلست في غرفة الانتظار أتصفح الفيس بوك، المرة السابقة كان صراخ المرضى المنبعث من غرفة الكشف يتردد في كل أنحاء المكان، وعندما دخلت للفحص على يد الطبيب الشاب الوسيم ذي الشعر الناعم الكثيف، للحق انبهرت أولا بغرفة الكشف المجهزة بأحدث الأجهزة ( شاشة تلفاز معلقة في سقف الغرفة ، موسيقى هادئة، جهاز ليزر لا يوجد منه اثنان في المنطقة، جهاز أشعة تليفزيوني بالألوان لعمل بانوراما على كامل الفك ) وكلها جديدة كأنها تستخدم لأول مرة، .. عرفني الطبيب من اسمي.
: هل أنت الأستاذ ………….. معلم اللغة العربية؟
:- نعم.
:- تذكرت الآن الاسم، أنا كنت طالبا بالمدرسة – يا أستاذ -وما زلت أذكر اسمك الذي كان يتردد صداه في أرجاء المدرسة باستمرار، تمنيت أن تدرس لي لأتعلم منك، إلا أن أبي أصر على نقلي لمدرسة خاصة..
: وأنا كذلك تمنيت لو أنك تعلمت مني شيئا تذكرني به.
لم أختلف عن باقي المرضى. جلست على الكرسي العجيب الذي يشبه الشيزلونج، ألقمني الطبيب حقنة البنج، ومن ثم بدأ الحفر مباشرة، شعرت أن حفار الأسنان ينخر في الدماغ مباشرة من قوة الألم، بدأت أتلوى تحت يد الطبيب كطفل صغير يتهرب من حقنة التطعيم، علا صراخي وأنا أزم رأسي بكلتا يدي.
:-قنبلة يا دكتور .
:- ها! قنبلة؟
:- أجل قنبلة انفجرت في دماغي.
بدا الطبيب الشاب وكأنه اشترى برود الأعصاب بالجُملة من سوق اللامبالاة..
:- هل تعاقبني يا دكتور؟ ثم إني لم أدرس لك يا أخي، ولم أعاقبك يوما ..
: هاهاها تحمل يا أستاذ، هانت …
زاد الألم، عزمت على الرحيل ومغادرة العيادة إلى غير رجعة، لكن أعصاب الضرس باتت مكشوفة ويجب الانتهاء من تنظيف القنوات وتطهيرها، طلبت هدنة، قمت عن الكرسي واستأذنت للخروج إلى غرفة الانتظار لبعض الوقت، وكلما طلبني الطبيب للمتابعة، قدمت أحد المرضى المنتظرين في مشهد يشبه مشهد إسماعيل ياسين في البحرية . لكن بالنهاية دخلت غرفة الإعدام برجلي، ههههه أقصد غرفة الكشف، بدأ الحفر والتنظيف لكن بدون ألم هذه المرة، فقد سرى البنج وخدر كل الأعصاب. غالبتْ النعاس. انتهى الطبيب الشاب من عمله. وقف يودعني وهو ينظر إليّ ممتنا.