المقال
من أدب العيد في خوبر المقامة الأضحية بقلم: “عبدالمجيد محمد باعباد”
بسم الله الرحمن الرحيم
(من أدب العيد في خوبر المقامة الأضحية)
(من أدب الوذار وحكاية المضحي في عيد النحر)
تراث خوبري كتبه/عبدالمجيد محمد باعباد
مسقط الرأس خوبر وبها كنت أفخر
قريتي يلوح اليوم منها أجمل منظر
وفي ضحى العيد المُهَّللَ تبدو أكثر
وردها من سلسيبل وواديها أخضر
عيدها السعد ممطر يغني ألف منظر
حبذا نشق هواها على رباها المعطر
من رآها قال جنة الدنيا هي خوبر
مسرحي العدين فيها أو غول زغبر
وعلى سحاسيح سوحل سحت مذ
كنت أصغر سياحة بين حقول خوبر
هذه المقامة تروي عن تاريخ خوبر وتراثها وعاداتها وتقاليدها الخالدة منذ القدم وهي إلى اليوم متواترة وباقية في هذه القرية وأعرافها ما زالت متوارثة وتم عرض تفاصيلها بقلم وأسلوب أديب خوبر حيث ذكر أعراف الناس وطقوسهم في أعياد النحر وعاداتهم وتقاليدهم في العيد الأكبر الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة العربية والإسلامية بالخير والسلام وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم…
نبدأ بالمقامة الأضحية ثم يليها الحكاية النحرية
(المقامة الأضحية)
حكى لنا المضحي باعباد ،عن عادات البلاد، في أعياد آل باعباد، في قرية الأجداد، ومعقل الأمجاد، ومقطن القضاه الأفذاذ، وموطن الكوادر الرواد، ورباط العلماء الزهاد، في قرية خوبر المشهورة بالعلم والقضاء، والفقه والإفتاء، والكرم والإيواء، والتضحية والبلاء الحسن المشهود لها على ألسنة الخلائق، أنها من أقدم القرى في هذه المناطق والمشهود لها في سائر الآفاق بالعلم والدين والأخلاق والأدب والفصاحة والذكاء العلمي والتعايش الاجتماعي الذي يتميز به سكان قرية خوبر المعروف صيتها الأشهر وذيعها الأفخر وإرثها الأندر وتاريخها الأغر ونضالها البطولي المغوار الذي لا ينكره القاصي والداني ولا يجحده الدهر الأتي والفاني وما قادني لكتابة هذه المقامة إلا لحفظ العادات المقامة في قرية خوبر المحافظة على التراث المتنوع كونها من أقدم قرى محافظة الضالع وكانت قبلةً لنهل العلم النافع، ومركزًا ينورُ فقه الشوافع ،ومحكمة فصلٍ لكل متنازعٍ وأرض خيرٍ متتابعٍ ومستودعٌ لحفظ الأمانات ورد العهود الضوائع،وأهلها أهل صلاحٍ وورعٍ وتقوى تجود من كل جامعٍ ومدافنها تحفظ فيها محاصيل الزرع،وأرضها منتجة من خيرات وحقول المزارع،وكانت تغذي سكان المنطقة بمتالم الزرع المتنوع والمزروع على امتداد واديها الواسع ،وطينها الخصب الشاسع يجود بزراعة حبوب في أرجاء وديانها الواسع والذي يربط القرى المجاورة لها من الجهات الأربع ويظهر تربع ديارها من فوق تلك التباب التوارع وفي قمم الشعاب الرواكع وتظهر من خلف عوارضها الروافع التي تعتلي قرى تلك البقاع حيث تعتبر لكامها وهضابها تلك موقع استطلاع وحصون دفاع من أيام دولة الجنوب وهذه العوارض تروس منيعة ومواقع عسكرية دفاعية ترتفع على ذلك القاع الحدودي الشاسع ويتخللها سلك جبلي مرتفع ولكام صخري متربع على القرى والمرابع المحيطة بها من الأودية والضياع المحادة لها من كل البقاع وهي تشكل موقعًا عسكريًا مرتفعًا على القرى من جهة لكام الضياع المطلة من سفح شعب الأخبل الرفيع من جهة الشمال نحو لكام السلام المنيع من جهة الجنوب إلى قمة حلبوب شرقا إلى شعاب العدين شمالا وفي الحرب كانت موقعًا استراتيجيًّا وثكنات عسكرية للدبابات والمدافع التابعة للمقاومة الجنوبية حيث أن عوارض هذه القرية مرتفعة وتطل على الامتداد الغربي إلى الجزء الشمالي يحدها شمالًا مدينة قعطبة وتحدها غربًا قرى القبة وسناح والرباط والبجح والشوتري ولكمة صلاح وواديها الغربي يحد الطريق العام المؤدي إلى الضالع حيث كانت مرتفعات هذا القرية مواقع عسكرية ومرتفعات استطلاعية ومتارس دفاعية للمحافظة كلكام جعملة وتبة السلام العالية وعارضة المعزبة وقمة الأخبل المطلة على المنافذ الشمالية ولكمات العدين المقابلة لها كانت كلها متارس دفاع ومواقع استطلاع لمراقبة امدادات الحوثي ومنعها من الوصول إلى مدينة الضالع وواديها المحاد للطريق الأسفلتي الممتد إلى الضالع خلفه وادي شراح والثعالية ومنشار الشوتري ووادي مصيطر وحبيل غول زغبر والمدخل الغربي لخوبر هذه الأودية التي كانت كمائن تقطع طريق أي تعزيزات حوثية تمنعها من الدخول إلى مدينة الضالع حيث كانت هذه القرية هي الدرع المدافع عن مدينة الضالع بالإضافة إلى القرى المجاورة لها كانت تروس دفاع ودروع تصدي وجسور تمنع العدو من التوغل إلى مدينة الضالع وبقية مسيطرة على المواقع الهامة فيها إلى أن تحررت الضالع وليس هذا فحسب ولست متنطعًا هنا والصدق والواقع أن ديار هذه القرية احتضنت كل مقاوم ومناضل ومدافع من عهد الاستعمار البشع وحتى آخر عدو خاضع ولا يسعني القول عن نضالها الرائع وتاريخها الناصع بل أحببت ذكر مناقبها الذوائع ومثالبها السجية اللوامع التي لا تعد إلا بالأصابع ويشار إليها بكل بنان مقتنعًا أنها المستودع الإرثي الجامع لتراثنا الشعبي في محافظة الضالع والأرث الباقي المتنوع من العادات والتقاليد والأخلاق والطبائع التي قلما تجدها في قرية من قرى محافظة الضالع وهي تستهوي آذان كل سامع وتهدي كل متابع إلى تقاليدها المعلومة وسوالفها المرسومة من عهد الأجداد كبهجة الأعياد وفرحة الأولاد وألفة القلوب والأكباد في أعياد هذه القرية وما هو معتاد في عيديها الفطر والأضحى من العادات الرزينة والأخلاق الحسينة التي تألف بين الناس في الأفراح والأتراح والأعراس الاجتماعية والمناسبات السنوية التي تجمع شباب القرية كالمسابقات الرمضانية والمحطات الإيمانية كالأعياد الدينية وسائر المواسم الزمانية كالأعراس الخوبرية والاحتفالات الموسمية التي تحييها القرية وسأتناول هنا عيدها الأضحى ونحن في موسمها المضحى في ضحى أيامها الوضحى وأول أيام عيدها الأضحى حيث الصلاة في مسجدها الجبانة مع التهاليل الدينية والتكبيرات العيدية الملحنة بأصوات جميلة هتانة ومخارج مصانة لم أسمع كألحانها في أي مدينة فألحانها الدينية رزينة وخاماتها الصوتية فنية متوارثة من الألحان الإيمانية اليمانية فهي منبع الفرحة الخوبرية والبهجة السرورية بأعياد الأمة العربية والإسلامية ومن أعراف هذه القرية الجميلة الخروج من بعد صلاة العيد مع المهجالة بأبيات تسمى قصيدة الجلالة فيها يمدح الخالق العظيم وثناء الله الواحد الأحد وهي أبيات شعرية كان يتهجلها الأجداد من سكان القرية في مواسم الأعياد واليوم كما هو معتاد يتهاجلها الأبناء والأحفاد وهي من أجمل أعراف القوم حيث يهجلونها في الأعياد كل عام ويهتفونها فردا فردا ويرددونها بيتا بيتا ويلحنونها صوتا صوتا ويهجلون بها فوجا واحدا من مسجد الجبانة إلى الجامع الكبير وهم على فوج المسير ينشدون بأبياتها الإيمانية ويتقاودون ببهجة وطمأنينة وتغمرهم المودة والروحانية ويتقدمهم في الصفوف الأولى الأمامية جميع الآباء وهم يهجلون بأصواتهم المرتفعة ذوي الألحان الخاشعة ذات الصبغة الصوفية الإيمانية والتسبيحات الدينية الزهادة بالإيمان وهكذا يهتفون ويرددون بعدهم الأبناء والأطفال والصبيان فتراهم فرحين بعيدهم الجديد ومرتدين كساء العيد وعلى وجوههم بسمات الانبشاش وفي أيديهم أكياس الطماش تغمرهم شجية المهجال وتحبرهم ألفة الرجال وتجمعهم عادات الأجيال وينعشون صخب القرية بهتافاتهم المرددة وتكبيراتهم المغردة وألحانهم المنشدة مع المشي خطوة خطوة والوقوف برهة بين الترديدة والترديدة أو بين القصيدة والقصيدة هناك وقفة قصيرة لترديد أبيات العيد ثم المسير إلى الجامع الكبير والوقوف فوق تلك الحرة ثم مواصلة المهجال ودور المساجل والشعر والارتجال بين شعراء خوبر وممن لهم الصيت والذكر في قول الشعر في الحال وسرعة الرد عند المسجالة والارتجال وابتداع الشعر في الحال بين القوم والرجال هو شاعر خوبر الأول القاضي صالح أحمد عبدالرحيم رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ولم أدرك من أيامه إلا القليل حينها كنت صغيرا وهو مسن وقد شاخ به اللسن وأنا كنت حديث السن ولسبب فارق الزمن وكبر العمر لم أدرك ما قال من الشعر إلا ما سمعته من ألسنة خوبر تردد بعض أشعاره وتروي لنا أخباره فأتمنى تدوين أشعاره الآن ولو ما تبقى منها قبل أن يفوت الأوان ويغفل عنها الزمان وتطملها ذكريات النسيان وتبقى كأنها خبر كان فيا ليتهم يبادرون لجمعها وتدوينها وجمع ما تبقى منها من ألسنة الأحياء وممن حفظ منها في تلك الأرجاء فهذا ما كنت أطمح إليه وجمعها منذ زمان لكنها أحالتني يد الحدثان واعاقتني عقول النسيان عن جمع جميع قصائده الحسان وكلما بحثت عنها لم أجد منها إلا أبيات قليلة أو أسمع بعضها من لسان فلسان تناقلتها من غير حفظ وصيان بل يحفظون منها بيتًا أو بيتين من غير الإتيان بالقصيدة كاملةً مما زادني ترددًا عن الجمع وتذبذباً عن اللم لتبرذقها في عقول القوم وممن كانوا يحفظونها نسوا معظمها وما حفظوا منها إلا القليل كأبياتها الحكيمة وقوافيها الجميلة فياليت الزمان يعود بي إلى الأيام القديمة حتى أدوِّن كل ما غبر من تراث خوبر لكنها أمنية لا يحالفها القدر وما عشت مع أجدادنا في خوبر إلا أيامًا قليلة وعمري كان في سن الصغر وممن لحقته من أبناء هذا الدهر الشاعر الأكبر صاحب الباع الأقدر والعلم الأشهر الأستاذ عبد الجبار عبدالله عبدالواحد أبو هريرة صاحب المهاجيل الجديرة والموشحات القديرة والأبيات المؤثرة ومن له أشعار كأشعار أبي هريرة التي لها صدى وشهرة عند سكان القرية ومن غير أبي هريرة في إحياء مواسم القرية في الأعياد السنوية والمناسبات الدينية والأفراح الموسمية فهو ملحم الزوامل والمهاجيل والأشعار في أعياد خوبر ودائما ينعشنا في العيدين الأصغر والأكبر ونهجل الشعر من أبياته التي تتناول الحياة الاجتماعية أو تصف لنا الأوضاع السياسية فلا يتأثر بأبياته أحد من سكان القرية لعذوبتها الأدبية وخصوبتها الخوبرية وسأذكر بعضها في الحكاية التالية وهكذا الناس في خوبر يهجلون الشعر ويواصلون المهجالة إلى أن يصلوا أطراف القرية وأصواتهم مدوية بترديد الأشعار وهذه هي عادات خوبر وأتمنى الحفاظ عليها طوال الدهر وإلى
حكاية المضحي في عيد النحر من تراث قرية خوبر
(حكاية المضحي في عيد النحر)
حكى لنا المضحي في عيد النحر يقول; خرحت من منزلي مبكرًا بعد زوال الفجر متجها إلى جبانة مسجد أبي بكر في قرية خوبر حيث كانت لحظات موفقة وخطوات سابقة متخطية سواقي الصدقة وكانت المشية على هدى الطريقة مقبلاً لصلاة العيد بعد شروق الشمس في وضح الصبيحة وكنت يومئذٍ مرتديًا الثياب المليحة والملابس المريحة المسماه في قريتنا بدلة العيد كوني ممتثلا لأمر السنة في لبس الجديد ومتجها لتأدية صلاة العيد مع من برزوا للتعييد إلى مسجد الجبانة فوصلت مع الناس النازلة من المسجد الأعلى وكنا نهتف معًا تكبيرات الأضحى ونهلل بالتحميدات الفصحى ونعظم شعائر الملة الحنفاء والسنة السمحاء فوصلنا إلى الجامع المذكور مع الفوج المنثور والخضم الموقور ودخلنا الجبانة فامتلأت الصفوف بالحضور فنادى الإمام تقاربوا لتسوية الصفوف الصلاة جامعة الصلاة جامعة بعد ثوانٍ متسعة فرض الإمام تكبيرة الإحرام ثم صدح وكبر التكبيرات العيدية السبع الوترية ثم تلا بعدها في الركعتين سنة العيدين سورتي الأعلى والغاشية مقتديًا بالسنة النبوية فلما ختم الإمام الصلاة بالتحية دوت الأصوات المكبرة وارتفعت التهاليل المزمجرة وأفرغت الحناجر المخوبرة أصواتها الصادحة بتهليلات العيد وتكبيراته وتحميداته وتسبيحاته وهم طائعون لأمر الله ودينه فرحون بسنة نبيه ويرجون الثواب من لدنه الولي الحميد ثم صعد الخطيب المنبر لإلقاء خطبة العيد فبدأ بالثناء الجزيل على المولى الجليل وأفعم الشكر العميم على العلي العظيم وكبر التكبير على الواحد الكبير وهلل التهليل الكثير على اللطيف الخبير ثم عقبها بالصلاة والتسليم على البشير النذير والسراج المنير والهادي البشير مخرج الناس من الظلمات إلى النور محمد عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم..
ثم قال الخطيب أما بعد:
عباد الله عيدكم أضحى فيا سعادة من نحر وضحى وعقر الرقاب وأنحى وسفك دماءها وأسحى بها رمل الأديم امتثالًا لوجهه الكريم وتقربًا لخالقه العظيم وطاعة لدينه القويم واقتداءً بسنة رسولكم الأمين وملة أبيكم إبراهيم وصدق الله العظيم حينما أخبرنا عن رؤية رأها إبراهيم وهي ذبح ابنه إسماعيل ففداه الله بكبش عظيم وقال وفديناه بذبح عظيم كان ذلك الفدي أنزله الله العظيم من الجنة لإبراهيم ليكف عن ذبح إسماعيل فيا له من قربان قديم ونسك قويم هو سنة أبيكم إبراهيم وشرع نبيكم الخاتم الأمين وسنتكم أيها المسلمون فهذا يوم عيدكم الأضحى يوم النحر الأكبر تنحر فيه الخلائق والبشر الأنعام والبهائم وكل الروؤس من بهيمة الأنعام تذبحها الناس قربانًا لله الملك القدوس وتنحر هذه الذبائح من بهيمة الأنعام بسم الله ذي الجلال والإكرام فهو الخالق المكرم والرازق المطعم الحي القيوم الذي لا يموت رب الناس والملكوت هنيئا لكم هذا اليوم الذي تسن فيه الشفار طاعة للواحد الجبار والقوي القهار هو الذي هداكم لسنة المختار فيا سعادة من اتبع نبيه واهتدى بهديه وعمل بسنته وفقه الله لجنته وهداه لسراطه المستقيم ثم استمر الخطيب في التعليم والتوعيظ وكان يقرض الإله التقريض العظيم ويفقه الناس تعاليم الشرع الحكيم ويحدثهم عن سنن العيد وما يصح لهم من أضحيات العيد ويعظهم ويزكيهم ويفقههم فقه الذبائح باب الأضحيات وأورد لهم الأحاديث البينات التي أجازت أحكام الأضحيات وواجباتها وسننها ومستحباتها ومبطلاتها من العيوب والأمراض التي تصيب بهيمة الأنعام كالقراش والمواشي والأغنام وغيرها من الضان والغنم وبين لهم ما أحل لهم وما حرم عليهم من بهيمة الأنعام فلما انتهى الخطيب من أحكام هذه النعم طفق يرفع الدعاء ويمد يديه إلى السماء ويقول اللهم تقبل من جميع المضحين واغفر لعبادك الصالحين وامحُ خطاياهم في كل زمن وحين وتجاوز عن ذنوبهم يوم الدين ثم ابتهل بالدعاء الجزيل والتضرع المتبتل والمتهجد والناس بعده تردد آمين آمين فختم اللهم ما أبرم لهذه الأمة أمر رشد والأصوات بعده صاخبة المسجد تكبر وتمجد فأذهلني بما هو مورده من غير أن يعده وأعجبتني جزالة بلاغته وطلاوة عبارته وحلاوة خطبته المليئة بالفرائد والفوائد فعلمت أنه من أبناء هذه البلاد وهمسني ذهني المتباعد أنه من فقهاء باعباد أو أديب هذه الصفاد فلما انتهى هذا الخطيب من خطبة العيد باشرنا بترديد التكبيرات العيدية ثم وقفنا مدة وجيزة نردد الأدعية خلف إمام القرية وكنا بعده نردد آمين آمين رافعين يد الضرعة والابتهال إلى الخالق ذي الجلال وهكذا يختم العيد من كل عام يقرأ فقهاء القوم فاتحة الكتاب ويليه مصافحة الأحباب فيقوم كل الحضور من أبناء خوبر يرفلون بسمات السرور ويزرعون قبلات الحبور ويتواجهون ويتصافحون ويتعانقون ثم يخرجون فوجا واحدا يكبرون الله أكبر ويهجلون بأبيات القصيدة الإيمانية ويرددون أشعار الوحدانية لا إله إلا الله لا إلا إلا هو وهي قصيدة الجلالة المتوارثة من عهد الأجداد ثم يواصلون الإنشاد بها والطريق إلى الجامع الأكبر ثم الوقوف عند الحرة لترديد الشعر ثم يمرون من بين الدور إلى أن يصلوا أطراف قرية خوبر وهم يرددون مهاجيل الشعر ثم يقول المضحي: في يوم النحر خرجت مع القوم في خوبر الكثير من الأعياد وكنت سعيدًا بكل عيدٍ ومغرداً بذلك النشيد الإيماني الذي زادني حبًا لدين الله مذ كنت طفلًا وأنا أهجل بقصيدة الجلالة أو أردد أبيات أبي هريرة التي طارت بها الركبان وغنت بها الأيام وحفظناها منذ زمان وكنت هنا أحب أن أورد لكم هذه الأشعار ولكن بعد الاستئذان من الأستاذ عبدالجبار سأضمها إلى الحكاية بعد استخباره وقبوله سأورد لكم من أشعار قوله ثم يواصل المضحي حكاية قوله ويقول: في يوم النحر من عادة الناس في خوبر أن تجتمع لنحر الأضاحي في إحدى الضواحي المطلة على وادي العدين فهناك يجتمع المضحون والذباحون والمساهمون في لحوم الأضاحي وفي تلك النواحي من كل عام تنحر الأثوار وبهائم الأنعام تحت إشراف أبي جاعم خبير القوم في تقطيع اللحوم وقسمة السهوم وتوزيع المقسوم وتقطيع المسهوم من الأسهمه كالأرباع والأسداس والأنصاف والأسباع من أضاحي الأثوار والتباع والأبقار النيثة والرباع والآجال والأعجال وجميع الأنعام المتفق عليها في فقه الشرع فهو المشتري لها والبياع ودلالها في المرباع ومثامنها عن المضحي والبياع والمقدم لمن لا يستطيع ثمن الباع والموزع للأكتاف والأضلاع بإنصاف وإقناع مع المسامحة والاتساع بين مساهمي المسياع وحاضري القطاع ومكبري تلك البقاع وأقول من لا يشكر الناس لا يشكر الله فحقًا على كل إنسان في خوبر أن يشكر زارع المعروف والبر وصانع الخير والمكرمات والمبادر دائما لفعل الخيرات والمقدم للناس أطيب الخدمات رجل المهمات صاحب الشهامة والكرم الرجل المحترم أبو جاعم ملحم كل فم ولا تنكر ألسنة القوم أنه من أسياد القوم لما صح عن المصطفى عليه الصلاة والسلام قوله سيد القوم خادمهم ومن كأبي جاعم في الخدمة والكرم والمعروف المقدم الذي لا ينكره القوم وهو من وجهاء القوم وكلامي هنا لا يخالطه ذم حتى لا تتوهم الأوهام وتسيء العقول لفهم الكلام فنعوذ بالله من التذمم فإني قصدت الإنصاف لا الاقتراف فلا تفاخر في دين الله بين أنساب أو أشراف فلا أصل للإنسان إلا العمل الذي يقربه إلى الله أكان صالحًا جزي أو فاسدًا كوي يوم الحساب الأخروي فهذا هو الشرف أيها القوم أن ينسب الإنسان يوم القيامة إلى ما يقدمه لا إلى عشيرة قومه التي لا تنفعه يوم يجري السؤال فالعبرة بخاتمه الأعمال لا بعشيرة الأقيال وما أوجزت هذا الكلام حتى لا يساء الظن في المقال وما أكثر القيل والقال في زمن الرويبضات والعقول المتناقضات والانتقادات المعارضات حتى في فهم الدين أعاذنا الله منهم ووقانا وإياكم شرهم ومكر المفسدين ويكمل لنا حكاية المضحيين المضحي في ذلك الحين يقول: طلب مني أحد الأخوة المعجبين أن أكتب له مقامة أصف فيها أحوال المضحين ومعارك نحور الذباحين فقلت له: قد كتبت من قبل ذلك أربع مقامات عن الأضحيات فقال: لابد من مقامة لهذا العام وتصف فيها حال الملحمة اللحمية ومعارك اللحم فقلت له: وأين اللحم حتى نصف لها الكلام فقال: ما عيدكم هذا العام؟ فقلت له: كبش من الغنم فقال: لا تبتئس سيولي زمن النقام وأهم حاجة مقامة هذا العام فقلت له: مادام أنك مهتم لتذوق أدبي وتقرأه وتفهمه سأكتب لك مقامة وحكاية الليلة من تراث خوبر ومن أدب الوذار ويختم المضحي يقول: في عيد النحر نحرنا الأضاحي وسالت الدماء السواحي في عرصات البيوت وحارات الحوافي من كل الضواحي سمعنا أصداء النواحي تكبر الإله الحي وفي كل حي مشخنا الحيوان الحي وملأنا الدسوت باللحوم وأسدكنا الصحون بالشحوم وفي هذا اليوم داهمنا التخوم وطلع منا السداكي إلى البلعوم فندلع من المعدة الحزازي والبلغوم من كثرة اللحم المقطوط والعظم المعروط والغضروف المقروط والعرامي المعروم والكتف المجدوم والنجف المخشوف وأنواع اللحم المنتوف والموذر والمنتفر والمرق المنشوف والضلع الخنشوف والقندرة المبلكعة والأضلاع المضلعة والفخوذ المقطعة والأشحاء التابعة كالكروش المربعة والمثلثة والوذار المنثنثة والكباد المثخثخة والأباريق المنفخة والأواني الموسخة والملاخخ المنتخة والأسنان الموتخة والبطون المنتفخة والأرجل المكنبخة والأجسام الرابخة كالعضلات المرتعشة بالفسقلة والأيادي المنتسفة من الشحوم المشنقلة في الأنجاف الموترة واللحوم المفترة من القندرة والحترة فرقًا يامقطقط بكل مقطوط وتريثا يامعرطط بالعظام المعرطط ومهلا بالمفصل الممدق وحرصا على عساليق العسلوق وتقشفا للرأس المحروق وتنشفا للمرق الممروق فيا كمن منذوق دقوا اللحوم دقوق وعلى الدقدوق لقاشي معكم ذوق هشوا اللحم ونشوا وشنتروا الوذار ولا تسأروا وعليكم بالعظم المكرعن والرأس المقشنن وخرطوا البياضي الممخمخ فما أحلى اللحم المنجح وشمه المفحفح ومرقه الممرقح وطبخه المصلح وعظمه المصرمح وداعا لتمرأط والمرأطة لكن خففوا من القطقطة وتمهلوا في الخشيم والمخاشطة فإن النهاية بطبطة أو مزيج بعططة وقللوا من النهيش والدقوق حتى لا تملؤوا الصراح ذروق فهذه أيام التشريق مودقة الريق فهل من مستطيق لمرض يريق وسقم يضيق فأكلوا بقدر يا أهل خوبر ولا تسرفوا في خشاف الوذار فإن اللحم إذا كثر مذر وإذا زاد ضر خاصة لحوم البقر فإني لكم ناصحٌ أمينٌ ومحذر مبين إن أريد إلا وقاية الدسوت وحماية البيوت من أمراض الزيوت التي تفت البطون فتوت وتعجش الأمعاء عجيش ومن سيعيش بعدها آفة القلوب والسمنة وأسقام البطنة التي تذهب الفطنة فيا ليت أهل قومي يعلمون وعن اللحم لا يصدعون ليكونوا أوسطهم طريقة وأحسنهم حالا إن فهموا بياني هذا وختاما أقول أنني أنا هو المضحي بهذه الجمل الوضاح وناحر أعناق هذه الكلمات الفصاح ومنذ الصباح نتلبز سدك الذبح والآن نتبلطح تعبًا بعد أن خشفنا الوذار والبلاكع وفورنا الكراعين والكراوع وفصلنا المفاصل والقواطع وزرطنا الكروش والزرافط التوابع ولحمنا كل مقتر وجائع وتصدقنا على المحتاج الجازع والفقير القانع والله هو الغني النافع….ثم يختم الساجع شعره من لحن المسايع..
عيدك يا خوبر أحلى عيد
تكبير رجالك أجمل نشيد
صيتك وجاهك فخر القصيد
تاريخ نضالك به كم من شهيد
عادات أهلك باقية ماضي تليد
وجاهة رجالك نافذة لآخر وليد
بسمات شبابك ظاهرة إرسال بريد
وتضحيات نسائك نادرة إنجاز فريد
أما بناتك حالية تخرج لنا ضيق النهيد
وأما صفاتك مستعصية وصف البليد.
١