من يوميات القهر بقلم الأستاذة :فتيحة برابح (عطر التراب )
🍂من يوميات القهر 🍂
على غير العادة نهض سعيد باكرا قبل بزوغ الفجر ..نحنح بصوت مرتفع أيقظ زوجته خيرة التي قضت ليلة شبه بيضاء و هي تفكر في سوء أحوالهم الاجتماعية ، فالفقر نخر سعادتهم و ليس لهم ما يسدّ رمقهم و يلبي حاجات أطفالهم المحرومين من كل الحقوق ، فهم يتمرغون في وحل معاناة الثلوث الأسود ” الفقر و الجهل و المرض” بقرية بأعالي جبال الونشريس لا تعرف إلا قسوة الطبيعة بكل الفصول ..
و من حسن حظّهم لهم معزاة اشتراها أبوهم بعدما قطف ثمار البلوط و باعها لأحد التجار بعد عناءكبير ..
كانوا يتداولون على الرعي و هم فرحون بما تدرّه عليهم من حليب كان غذاؤهم اليومي مع خبز الشعير ..
نهضت خيرة مسرعة نحو زوجها و قالت : صباح الخير يا سعيد أين أنت ذاهب بهذا الوقت المبكر ؟
رتب على كتفها ثم قال : لا تتفاجئي اليوم سآخذ المعزاة لأبيعها و أشتري بعض الدجاج أعتقد أنه أنفع سنستفيد من بيضه ، نصفه نأكله و النصف الآخر نبيعه و نسترزق منه ، لم أخبرك البارحة خوفا من أن أحرمك من النوم ..
تأوّهت خيرة وضربت رأسها بيدها ثم قالت : يارجل ..وكيف و ماذا عن أطفالنا ؟..
ابتسم محاولا التخفيف من آلامها و قال : لا تخافي لنا ربّ رزّاق ..و قاطعته لكن اليوم الطقس بارد و الثلوج تكسو الجبال و الطريق وعر .. حاولت تقنعه بعدم الخروج لكنه لم يأبه لكلامها و خرج مسرعا بعدما ربط المعزاة بحبل رقيق و سار في الدروب الوعى قاصدا سوق الإثنين بإحدى القرى التي تبعد عنه حوالي 20 كلم ، و بينما هو ماشيا تارة يغوص في الثلوج و تارة أخرى يحمل معزاته فيسقط متزلقا و هكذا إلى أن وصل إلى السوق ، و قبل دخوله أوقفه أحد العساكر الفرنسيين قائلا : هيّا ادفع ثمن الدخول ، احتار سعيد و توسل إليه بأن يخلي سبيله و يسمح له بالدخول فهو لا يملك نقودا ، لكن العسكري رفض و نادى قائد كتيبتهم الذي ما إن رأى المعزاة حتى راح يغازلها بأجمل الكلمات و يلعب بشعرها الأسود اللامع الذي تزيّنه هالات بيضاء ، ثم عانقها و أخذها إلى سيارته بلا مقابل ، ثم طرده بعد أن ركله ركلة قوية أسقطته أرضاً..
بكى سعيد و ناح و توسل لكن ذلك لم يجدي نفعا ، فعاد أدراجه خائبا و هو غارق في التفكير كيف يقابل زوجته خاوي اليدين ..
و لما وصل لاقته خيرة بترحاب لكنه لم يرد عليها ، و بعد برهة سألته عن سرّ شحوب وجهه المحروث بالهموم وعن المعزاة و الدجاج فقال : ياخيرة غدا سيأتي العساكر الذين سرقوا معزاتنا التي أَخَذْتُها للبيع من أجل دفع ضريبة هذا الكوخ الحقير ..
استعدي فلنا الخلاء..
ليس أمامنا الآن إلا الالتحاق بالمجاهدين فما أخذ بالقوة لا بد أن يسترجع بالقوة ..
بقلم الأستاذة :فتيحة برابح (عطر التراب )