القصة

موت الأمنيات…… للكاتبة أوسان العامري

صوتها مشحون بأسى لا يوصف
كانت المرة الأولى التي هاتفتني فيها منذ سفرها
قالت لي بعد زفرة: إياكِ أن تسلمي أمنياتك لأحد ستموت..!
ختمت حديثها: تركت الجامعة كان ذلك خيار( يوسف)
ثم أغلقت الهاتف..
تركتني في دوامة من الأسئلة…كيف تترك الجامعة؟
ولم يبق على تخرجها إلا عام واحد..
بعد أربع سنوات من الجد، والتعب صارت قاب قوسين أودنى من حلمها
تخصصت طب أطفال فهي شغوفة بالأطفال
لديها لغة تجيد بها التخاطب معهم..كنت أقول لها: يبدو أن عيناك الزرقاوان تجذب الأطفال إليكِ
لطالما حدتثني عن حبها لهذا التخصص، وأنها تتنظر بفارغ الصبر أن تمر السنوات لتعانق أمنيتها التي أضحت قريبة منها…

ماالذي يجعلها تتنازل عن حلمها
بهذه البساطة؟
خيار يوسف…وهل خيرها بينه وبين مواصلة دراستها؟؟
يوسف ذلك الشاب الأسمر الذي خطفت ريما قلبه
بعد تلك الحادثة:
حين وقعت على الأرض بعد أن ارتطمت بسيارته
فتجمع الناس حولها وأخذ البعض يشتمه على فعلته.. نهضت بصعوبة
تعرضت لرضوض لكنها قاومت وحينما أصر أن يذهب بها إلى المشفى رفضت وواصلت طريقها
لم يطمئن تبعها بسيارته إلى بيتها
ثم ضرب جرس البيت وبلغ أهلها أنها تعرضت لحادث وأنه مستعد لأي شيء
ومن تلك اللحظة لم تفارقه…لم تبادله المشاعر
إلا أنها أحبت اهتمامه..يأتي إلى جامعتها ليطمئن عليها
كنت أغبطها عليه وعلى اهتمامه بها
كم مرة غضبت منها لقلة اهتمامها به، لمشاعرها الجافة
فتجيبني : أريد أن أصل إلى حلمي ياضحى
لا أريد هذه العوائق أن تحيل بيني وبينه
أزمجر: لاضير،سيقف معك ويساندك
ستصلين لحلمك وهو بيدك
فهو وحيد والديه ولديه الكثير من الأموال
ترددت كثيراً قبل أن تقبل به..فطلب مني أن أقنعها
فأقنعتها…تمت خطوبتها وفي الإجازة زفت ريما
وسافرت على أمل العودة في أقرب وقت لتكمل دراستها
خمس سنوات انقطعت عني أخبارها…
لم تغب عني لحظة…
كيف لا وهي رفيقة أحلامي؟
بعد تخرجي فتحت عيادة خاصة بي..
كم كان عناق الحلم لذيذا.. تنفست بعمق
وغصت في تقاسيم ملامح البراءة

تأسرني عذوبة ضحكاتهم…وتصنع دمعاتهم في حنايا قلبي وجعاً…

أطلت من خلف الباب.. طوقاً من اللؤلؤ يزين شعرها الفاحم
بفستانها الأبيض المنفوش تبدو كأميرة
دلفت إلى الغرفة وخلفها والدتها..
عينان دعجاوان وابتسامة عذبة

لايبدو عليها آثار المرض..حملتها والدتها ووضعتها على المنضدة..
تبسمت وسألتها: مااسمك ياحلوتي
اسمها ضحى يادكتورة
سمعت لصوتها صدى…أعرف هذا الصوت
أين؟
متى؟
ضحى يوسف..رددت الاسم مرة أخرى
نظرت في عينيها الزرقاوين وسط سواد ذلك النقاب
ثم كشفت وجهها..

ألم تعرفيني حتى أنتِ نسيتيني؟!

نسيتي صديقتكِ..صاحبة الهمة العالية
انظري لها.. قد سُرق منها كل شيء….

كنت فاتحة الفم مشدوهة..لم أصدق عيني
أنها أمامي بعد عشر سنوات

عانقتها وبكينا معا…
كفكفت دموعها ثم قالت: سعيدة أنني رأيت حلمك برفقتك

قلت لك ذات مرة: أمنياتنا أن سلمناها لغيرينا ماتت

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى