إشراقات أدبية

ميزان الشعر عند الفراهيدي// للكاتب الدكتور محمد ضباشه شاعر وناقد عضو اتحاد الكتاب المصريين

 

ميزان الشعر عند الفراهيدي

(100- 174 هجرية)

د. محمد ضباشه

عضو اتحاد كتاب مصر

 

يعد أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، الذي وُلدَ في عُمان عام 100 من الهجرة، أول من وضع اللبنات الأولي لنقد الشعر بطريقة منهجية بعيدا عن الرؤية الإنطباعية التى كانت سائدة في نقد الشعر  ، وأول من وضع ميزان للشعر العربي القديم (الشعر العمودي) من خلال علم العروض، كما وضع معجم العين وهو أول معجم للغة العربية.

كان الفراهيدي من الزهَّاد الورعين، الذين لا يقبلون على الدنيا أبدًا، تعلَّم وتتلمذ على يد كوكبة من أفضل علماء اللغة العربية في عصره، وهو من أهم علماء المدرسة البصرية، وجدير بالذكر أنه عندما كان يسير في أحد الأسواق، سمع أصوات المطارق التى يستخدمها الصناع في صناعة الأواني  والتي تتوالى على نغم واحد، فاستطاع أن يميز مجموعة من الإيقاعات ظهرت في عشرة تفاعيل تتولد من ائتلاف الأسباب ( السبب عبارة عن حرفين ان كانا متحركين فهو سبب ثقيل، وان كان الأول متحركا والثاني ساكنا فهو سبب خفيف  ) مع الأوتاد  ( الوتد ثلاثة أحرف إثنان متحركان والثالث ساكن    ) والفواصل ( الفاصلة ثلاث او أريع متحركات يليهم ساكن واذا كان الساكن بعد ثلاث متحركات سمى فاصلة صغري أما اذا جاء الساكن بعد اربعة متحركات سمى فاصلة كبرى   ) وهذه التفاعيل هى  فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، فاعلن، فاعلاتن،  مستفعلن، مفعولات، متفاعلن، فاع لاتن  ، مستفع لن، واستطاع من خلال هذه التفاعيل ( النغمات)  وضع خمسة عشر بحرا لكل بحر وزن وايقاع خاص به.

ويري الخليل بن أحمد الفراهيدي أن بناء قصيدة الشعر يعتمد على ثلاث أركان أساسية هي:-

1- الوزن

كلمة وزن عند الفراهيدي تعنى كتابة الشعر على أى بحر من بحوره التامة أو المجزوء والمشطور منها وهي  خمسة عشرًا بحرًا من البحور المعروفة اليوم، وهي: “الطويل، المديد، البسيط، الوافر، الكامل، الهزج، الرجز، الرمل، السريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب” وكل بحر من هذه البحور له إيقاع خاص به ذكرها الخليل في شطر من الشعر، ثم جاء الأخفش تلميذ سيبويه ووضع البحر السادس عشر وهو المتدارك.

ولابد أن يكون الشاعر ملما بعلم العروض وهذا العلم يعد صناعة يعرف بها صحيح أوزان الشعر العربي وفاسدها وما يعتريها من الزحافات والعلل، ويعرف بأنه العلم الذي يستقصي الإيقاعات الموسيقية القائمة على توالي الحركات والسكنات في أبيات القصيدة، وعلم العروض علم مستقصى  قد اكتشفه  من خلال دراسته للشعر العربي في العصر الجاهلي والإسلامي، ولم يكن الشعراء في ذلك الوقت يدركون ماهية هذا العلم وطبيعته بل كانوا ينظمون الشعر على طراز من سبقهم او على ما يملكونه من ملكات  خاصة.

2- القافية

تعرف القافية عند العروضيين بأنها أخر البيت من الشعر،  سواء كانت الكلمة الأخيرة منه او كما ذكر الفراهيدي هي من آخر ساكن في البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله وعليه تكون القافية إما

1- كلمة كاملة مثل كلمة (موعد)

2- أكثر من كلمة مثل (لم ينم)

3- جزء من كلمة مثل لا لا في ( زلالا)

وأشار إلي أن حروف القافية ستة هي الروي، الوصل وهو حرف مد، والخروج،  الردف  ، التأسيس،  الدخيل

ولمزيد من التعرف على علم العروض عند الخليل راجع كتاب ميزان الذهب في صناعة شعر العرب للمرحوم السيد أحمد الهاشمي.

3- في ضرورات الشعر

يرى الفراهيدي أنه يجب على الشاعر أن يكون خبيرا بقواعد اللغة العربية من صرف ونحو ومعان وبيان وبديع ولغة واشتقاق وتاريخ وعروض وقوافي وانشاء لأن النظم أربعة أنواع هي:

1- نظم خال من العيب والضرورة

2- نظم فيه عيب (في الوزن أو القافية أو اللغة) ويضرب به عرض الحائط.

3- نظم فيه ضرورة قبيحة وهذا مبتذل.

4- نظم فيه ضرورة مقبولة يجوز للشاعر ارتكابها مثل  ،  صرف مالا يصرف  ،  قصر الممدود ومد المقصور، إبدال همزة القطع وصلا، قطع همزة الوصل، تخفيف المشدد، تثقيل المخفف، تسكين المتحرك وتحريك الساكن، تنوين العلم المنادي،  إشباع الحركة حتى يتولد منها حرف مد، تحريك ميم الجمع، كسر آخر الكلمة إن كان ساكنا  .

وقد تُوفِّي الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة سنة 174 للهجرة في زمن خلافة هارون الرشيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى