هوى نفس بقلم: “أحمد الشافعي ملكي”
#هوى نفس
” على عتبات قدر منتهي ،انفلتت روح صالح من على السرير فاجعة من حلم سار به في الظلمات ،تنهد من مكانه يصرخ ،ثم تلشى صدى الصوت بشساعة الغرفة ليتردد له ،سحب بجسده خارج السرير وجلس بمحاذاته يحترق داخله ،تتلوى نفسه ،إنه شوق المحب ،وحرقة الهوى التي تصيب المرء ،فيهجر دفئ مكانه ،يتقلب مع وحدته ،ترى الحسرة تطبع بوجهه ،إنها ملامح الليل حين يزوره الأرق ،فيأخذ منه نور الصباح وتبسمه المشرق ،يلتفت للحائط وإذ هو فارغ كعادة ،ثم يكنس رأس للسقف مصباح قديم نسجت حوله العناكب خيوطها والغبار يلفها ،فيقول لنفسه : أيجب أن أصارع هذا الحب ؟ أيعقل لها أن تذهب دون أن تودعني ؟ أيضع الأجل حائط سميكا بيننا ،ينزع قطعة مني ثم يرميها للعبث ؟
لا يمكن للموت أن يسأل ،أو يستجاب ،لا يمكن للأجل أن يعاد أو يتغير ،هذه الحقيقة التي خفيت على صالح ،ألمه بلغ مصاب فؤاده ،عتقه من الأمل ،سحبه من نور عينيه ،رماه برصيف أسود ،لا يكاد يبصر فيه طرف أصابعه وهي تحبو به للهلاك ،لم يعد روميو فجوليت ماتت ،ولم يعد الجيرينال ميرل فهيلينا أنهت مسرحيتها ،بل صار الولهان التائه ،يدخن غلانه وآمارات الإرهاق الشديد بادية عليه ،تتلو أنفاسه هلوسات عن حبيبته ،وكأنه يريدها أن تعود وتجلس أمامه ،تراقب بريق حبه اللامع ،ينشد لها مشاعره بكلمات داخل قصيدة ،وهيهات أنها لن تأتيه ،فقد صارت تحت الثرى ،يكسو جسدها كفن الأبد ،ولا جدوى من دموعه السريانية ،فهي كتبت مرسومها الأخير ،وبدوره دفع تكاليفه وثمنه … بقي لساعات يراقب المرآب من خلال النافذة ،وجهه الشاحب قد انتفخ ،وعيناه احمرتى من كثرة السهر وقلة النوم ،ليالي تتبعها ليالي أخرى تدفعه للإنتحار البطيئ ،تارة ينظر لصورتها ويتمسك بها ثم يضمها لصدره ،وتارة يغمض عينيه ليرى طيفها العابر فوق حياته ،إنها مصارع روح عاشقة وجسد منهك ،عيون مشتاقة وفؤاد يتمزق فأين المفر من حب عاتب شاب على أبواب الأجل ،فأخذ صاحبته وترك له عطرها ،فصار العطر سما يتنفسه في كل ذكرى تتملص من عقله لقلبه …”.
#أحمد الشافعي ملكي
كاتب ومصمم
ولاية الجلفة/ الجزائر