إشراقات أدبيةالنثرد. عبلة لفتاحة

وجع المكان /بقلم الاستاذ هاني الشوبكي

وجع المكان ………..
كما هو .. اعتاد أن يسلك نفس الطريق منذ سنوات عديدة .. و لكن هذه المرة بعد غياب طال سنوات توقف فجأة وسط الطريق .. عندما مر بمنزل حبيبته التي تمثل عشق عمره كله .. فهي كانت الحب الأول و الأخير في قلبه … توقف للحظات عندما استفزته ذاكرته برائحة المكان .. أحس و كأن جدران البيت تناديه .. و كأن الأمس لم يمضي .. و أنها ما زالت تنتظره في شرفتها لكي تراه عندما يمر من هنا كل ليلة … برغم تغير ملامح الطريق و الشارع .. إلا أن صورة الشارع القديمة ثابتة في أعماق ذاكرته … توقف عند البيت مد يده يتحسس جدرانه … و يتذكر خط يده عندما كان يكتب على الجدران كلمات و طلاسم حب لكي تراها حبيبته في الصباح .. فتقوم هي الأخرى بالرد عليه بكتابة كلمات و طلاسم … و كأن جدران البيت كانت بمثابة ساعي البريد بينهما … تذكر وردة حالمة ألقتها له يوما من نافذتها .. فوضعها بين أحضان كتاب … أخذ يحدث نفسه .. نعم هذا هو المكان .. رأيتها أول مرة هنا .. و اختلست أول لقاء لنا هنا .. هنا ضحكنا و تبسمنا.. هنا أمسكت يديها لأول مرة .. و هنا أيضا افترقنا … ظل يحدث نفسه كثيرا .. و تمنى لو يضع لنفسه قبر هنا يدفن فيه .. فروحه البائسة ما زالت متعلقة بالمكان … و في وسط هذا الصخب من حديثه مع نفسه و صرخات ذاكرته … رأى طفلة صغيرة تخرج من المنزل .. اقترب منها في هدوء و أمسك بيديها و سألها عن اسمها .. فأجابته .. ظل متأمل في ملامحها و يقول إنها هي نفس الملامح و نفس الروح و تمنى لو احتضنها كثيرا .. لقد عرف إنها ابنتها .. فترك يديها و كأنه استسلم لواقع أمام عينيه … و نظر نظرة حائرة للنافذة لعل أمها تطل منها و تنادي ابنتها … ظل ينتظر و يترقب رؤيتها بكل لهفة … و لكنها لم تخرج … استيقظ من غيبوبة ذاكرته و المشهد الدرامي الذي نسجه في لحظات قليلة … و أيقن أنها لن تأتي و أن الوقت تغير و كل شئ تغير … لم يتبقى سوى المكان .. الذي ما زال يراود ذاكرته الحالمة كلما مر من هنا … فرحل كفارس أعزل مهزوم … هزمته الأيام و جراح الفراق الأليم ….. ياه لهذا الوجع .. الذي يختلج صدورنا كلما مررنا من مكان ما كانت لنا فيه ذكرى … ياه لهذا الألم الذي يرافقنا دوما عندما نتذكر شخص ما في نفس المكان … للمكان وجع لن يشعر به سوى أصحابه .. فالذكرى ليست بالأشخاص فقط بل مرتبطة بكل شئ خاصة الأماكن … لكل مكان ذكرى … قد يرحل الأشخاص و لكن تبقى الأماكن و الأشياء التي تسكنها روحهم … نعم إنه وجع المكان عندما تخرج منا آه .. تقتل لذة الحياة في أعيننا .. كلما رأينا المكان
#هاني الشوبكي

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى