وقد رحلت…….بقلم الأديبة عبير صفوت
ياَ صاَحب النجوي ، مَاذَا حَلَّ بِكَ فِي الدَّارِ ؟ !
قَالَهَا “ربيع” الْمُجَاوِر لِصَدِيقِه الْقَرِيب إلَيّ قَلْبِة يُعَاتِبُه ويحاول أَن ينتشلة مِن الْفِكْر وَذِكْرِي الضَّيَاع .
حَتَّى قَالَ رَبِيع بَلَغَه صَارِمَة لَا تُخَلِّيَ مِنْ الْخُشُوعِ :
قُل لَن يُصِيبُنَا إلَّا مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَنَا .
الًتفت” ناجي” مبتسماً ، يَمْسَح بعيناة الطَاولة الْمَعِدَة بِالطَّعَام وَرَأْي أَنَّهُ صَبِيٌّ الاحدي عَشَر عَام يَعْشَق صانع هَذَا الطَّعَامَ بِشِدَّة .
وَهُنَا اِرْتَمَت عِيناة عَلِيٌّ تِلْكَ السواعد الَّتِي عَانَقْت جيادة النَّحِيل فِي دِفْءٌ عَجِيبٌ يَأْخُذُهُ مِنْ الْعَالِمِ ، فَإِنْ بَيَّتَهُ الْكَبِيرِ لَا يَرُوق لَه بِمَنَافِذِه الْمُتَّسِعَة وَغَرْفَةٌ الشَّاسِعَة ، إلَّا ذَلِكَ الْمَكَانِ الصَّغِيرِ الَّذِي يطهي بِهِ الطَّعَامُ بِجَانِب وَالِدَتَه الْعَزِيزَة .
تَنَبَّه “ناجي”قائلا بِلِسَان الطُّمَأْنِينَة وَالسَّلَام :
كَم أُحِبُّكَ يَا أُمِّي ؟ ! لَو تَعْلَمِين .
طُوِّقْت الْأُمّ جَسَدِه الضئيل بانفاسها الْمُطْمَئِنَّة وانفست كَلِمَات الْوُدّ :
وَأَنْت بَنِي وَكُلّ حَيَاتِي .
وَلَفْظُه الْبَرَاح إلَيّ وَاقِعٌ حَالِي . . )
لَكَزَه رَبِيع متسائلاً :
إلَيّ أَيْ طَرِيقَ وَصَلَت يَا صَدِيقِي ؟ !
زَفَرَت دَمْعُه متسللة مِنْ عَيْنٍ نَاجِيّ ، وَهْوَ يَسْتَمِعُ لضحكات تَأْتِي بِلَا تَوَقُّفٍ وَلَن تُخَلِّيَ مِنْ الْجِدَال .
“ناجي”استيقظ يَا نَاجِيّ أَنَّهَا السَّاعَة الصباحية ، مِن تَو قَام “ناجي” يُعَدّ اللَّحَظَات وَالْأَوْقَات لِمَا اسْتَمَع لَه ، حَتَّي قَال وَالْفَرَح يَتَنَاثَرُ مِنْ جَسَدِهِ وَعَقْلِه :
نُسَافِر بَعِيدٌ وَنَعِيش عَالَمٍ آخَرَ ، كَم أَن الْحِلْم يَتَحَقَّق يَا أُمِّي .
اِحْتَضَنَتِ الأمُّ نَاجِيّ بنهايات الدُّمُوع تَقُول مِلْؤُهَا الشَّجَن :
بَعْدَ الْيَوْمِ لَا دُمُوع ، وسترحل الوعكات وَالْمِحَن عَنَّا .
قَفَز ” ناجي” يُمَثِّل بِالْحُرُوف وَالْكَلِمَات عَلِيّ خَشَبَة الْحَيَاة :
نَعَم سنكتفي مِن صُرَاخ أَبِي ونبتعد عَنْ تَعَدِّي أَصْدِقَائِي ، سنرحل بَعِيدًا لِعَالِم لَا يَعْلَمُ عَنَّا الْكَثِير .
اقْتَرَبَت الْأُمّ تُخَاطَب “ناجي” بِحَنَان وَلَطُف :
اعْلَمْ يَا بُنَيَّ إِنَّ هُنَاكَ مَنْ العائلات الْكَثِيرَةِ الَّتِي طَالَمَا انْفَصَلَت وَلَمْ تُصَلِّ إلَيَّ هَذَا السُّوء أَبَدًا .
اِبتسَمَت لَه تَوَكَّد :
أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَسَنَبْدَأ مِنْ جَدِيدٍ ، حَيَاتِنَا الْجَدِيدَة .
تَنَبَّه ” ناجي” لِهَيْئَتِة الْكَبِيرَة وَعُمْرَة الَّذِي يُضَاهِي الشَّبَاب ، حَتَّي قَال لِصَدِيقِه “ربيع” الَّذِي وَقَفَ يَشُدّ عَلِيّ مَنْكِبِه بِالصَّبْر ، حَتَّي اسْتَكْمَل “ناجي :
عَشْرِ سَنَوَاتٍ وَإِنَّا لَمْ اتناسي ضحكتها يَوْمًا وحنانها وَرَغْبَتِهَا فِي أخذي نَحْو الْحُرِّيَّة .
أَوْقَفَه “ربيع” يُرَتِّب مَنْكِبِه :
إنَّمَا هِيَ إرَادَةُ اللَّهِ يَا أَخِي .
اِنْفَرَط ” ناجي” يَغْرَق بِدُمُوعِه :
قَدْرِهَا الْمَوْت وَقَدَرِيّ الْوَحْدَة واللجوء إلَيَّ هَذَا الْبَيْتِ لأستعيد ذكرياتي المتبقية .
هُمَا كُلًّا مِنْ “نَاجِيّ” وَ”رَبِيع” نَحْو الرَّحِيل ، إلَّا مِنْ الطَّاقَةِ الَّتِي تملكت الأخير و الْأَصْوَات الَّتِي كَانَتْ تَلَاحَق إسْمَاعة :
نَاجِيّ اسْتَيْقَظ ياحبيبي أَنَّهَا الساعة الصباحية .