وقفة بقلم هارون قرواة
وقفة :
….. يمّمتُ شطر ضفائر الحنينِ أتنسم فيها عبقَ أيامٍ لنا في معبد الوَلَهِ ، وأرحل على بُراقِ الشوق إلى مدنٍ رقصتْ – غجرية- في أعراس تدانينا ، وشهدت نموَ الياسمين في أعماق مآقينا ، وأحط الرِّحالَ في منتجع الزمنِ الجميل ، فإذا المنتَجَعُ – بلقعٌ- وإذا ٱلأرواحُ في أكفانِها تعانقُ ٱلظلامَ وتلعقُ ٱلجليدَ ، وأطيافُ ٱلأحبةِ يحنطها البؤسُ في أقبية العدمِ : وأتعثرُ بروحِي تتصعلكُ على ضفافِ الوجعِ فأتَبيَّنُ من أنينِها ما مفادهُ : « متى نلتقِي ؟ »
ويقف التَّاريخُ ٱلمرُّ يمزِّقُ بمهاميزِهِ سِتْرَ الحقيقَةِ ، ويفضحُ بجرأتِهِ خوافِي مآسينا ، ويستحضِرُ – ساخرًا-
– ولَّادة بنت المستكفي- يعبقُ طيفها عنبرًا وعطورا ، فيستَنْطِقُ لَوعتها ، ويتحسَّس فؤادا لها أحرقته نيرانُ التنائي ولوعةُ الفراقِ … وهاهي ٱلأميرة العاشقة تقفُ واجمةً ترنو إلى الجنوبِ تتنسّمُ ريحَ الحبيبِ وهي تهمسُ بصوتٍ كفحيحِ ٱلأفعى :
ألا هلْ لنا من بعدِ طولِ التفرقِ
سبيلٌ فيشكو كل صبٍّ بما لقِي
وفد كانتْ أوقاتُ التَّزاورِ في الشِّتا
أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ
فكيف وقد أصبحت في حال قطعة
لقد عجَّل المقدور ما كنت أتقي….( انتهى)
وأقترب منها أسألها : « أمازلتِ تحبينهُ أيتها الأميرة ؟ »….تلتفتُ نحوي بكبرياء الأميراتِ ، وتردُّ :« لقد كان زندي ومعصمي ، ….كان مشتايَ ومرْبعِي ، نعم مازلت………» ، وأقاطعها : « أولستِ القائلة في زجره :
لو كنتَ تنصفُ في الهوى ما بيننا
لم تهوَ جاريتي ، ولم تتخير
وتركتَ غصنا مثمرا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمت بأنني بدر السما
لكنْ ولعت – لشقوتي- بالمشتري …( انتهى)
وكأنها فوجئتْ بجرأتي ، فردتْ بعصبية : « ٱعلم أيها الغجري : أنّ في الحب – كما في البحر- مدّا وجزرا ، إقبالا وإدبارا ، ومع ذلك يبقى وشما على جدار القلب لا يمحى » ، قالت هذا وأشارت الى الحرس فألقيِ بي خارج مدارات الزمنِ لأجدَني تائها في اللَّامكان تتقاذفني عواصفٌ وأنواءُ ، فألتحق بروحي ، فإذا روحي على شاطئ الضياع تغرد خارج السرب ، وترسم على الرمل ما معناه : ….فات الأوان.