وكانت حلماً……شعر مصطفى طاهر
هلَّتْ فأشرقَ نورٌ منْ مُحيَّاها
وأقمرَ الليـلُ وضاءً بِرُؤْيَاهَا
كَأَنَّهَا الشَّمْسُ قَدْ هلَّتْ بَشَائِرُهَا
وَأَيْقَظَ الفَجْرُ نُوَّاراً فَحَيَّاهَا
تَنَفَسَّ الصُّبْحُ صدَّاحا بِهَمْسَتِهَا
وَفَتَّحَ الوَرْدُ فَوَّاحًا ونَاجَاهَا
تُدِيْرُ بَسْمَتَهَا بِالسِّحْرِ صَافِيَّةً
وَتَسْكبُ الخَمْرَ فِي الأَلْبَابِ عَيْنَاهَا
تَشْدُو وَتَغْلِي عَلَى نِيْرَانِ مُهْجَتِنَا
فنْجَانَ قَهْوَتِهَا وَالنُّوْرُ يَغْشَاهَا
مُرّ المَذَاقِ غَدَا حُلْواً بِرَشْفَتِهَا
وَعَطَّرَتْ بِعَبِيْرِ الثَّغْرِ سُقْيَاهَا
تَرَاقَصَ البُنُّ فِي فنْجَانِهَا وَلَهاً
شَوْقاً لِرَشْفِ الَّلمَى لَكِنَّهُ تَاهَ
وَكَادَ يَسْقُطُ نَشْواناً بِخَمْرَتِها
حَنَتْ عَلَيْهِ وَضَمَّتْ فاهُ كَفَّاهَا
وَأَدَّبَتْهُ وَقَالَتْ: لا تَكُنْ جَشِعاٍ
شِفَاهُنَا رُصِدَتْ بِالسِّحْرِ سُكْنَاهَا
فَهَامَ مُضْطَرِباً يَهْفُو لِرَشْفَتِهَا
وَرَاحَ مُعْتَذِراً بِالعَطْفِ نَادَاهَا
تَبَسَّمَتْ خَجَلاً تَسْمو بِرقَّتِهَا
وَعَانَقَتْهُ بِفيضِ العَطْفِ يُمْنَاهَا
وَأَسْكَنَتْهُ عَلَى ثَغْرٍ مُنَمَّقَةٍ
فَرَاحَ يَلْثُمُ ُفِي شَوْقٍ ثَنَايَاهَا
وَذَابَ وَجْداً وَلَمْ يَبْرَحْ مَرَاشِفَهَا
إِلا عَلِيْلاً قَتِيْلاً عَاشِقاً فَاها
تُدِيْرُ قَهْوَتَهَا فِي كَفِّ فَاتِنَةٍ
وَيَحْضنُ السِّحْرَ وَالأَطْيَابَ جَفْنَاهَا
وَكَمْ سَقَتْنَا بِلَحْظٍ سَاحِرٍ أَلِقٍ
عَلَى شفَا جَدْوَلٍ يَجْرِي بِرَيَّاهَا
تَحْدُو مَوَدَّتَنَا نَاعُوْرَةٌ صَدَحَتْ
بِالشَّوْقِ وَاغْتَسَلا بِالدَّمْعِ عِطْفاهَا
وَأَسْكَرَتْنَا وَتَاهَ الفِكْرُ فِيْ شَغَفٍ
وَالقَلْبُ يَصْرَخُ مِنْ وَجْدِ الهَوَى آها
خَوْدٌ يُباهِي ضِيَاءَ البدْرِ مَطْلَعُها
سرّ الجَمَالِ إِلَهُ الكَوْنِ أَعْطَاها
حَسْنَاءُ قَدْ لَبِسَتْ ثَوْبَ العَفَافِ رُؤى
وَأَيُّ حُسْن تَرَاءى مَا تَعَدَّاهَا
أَلْقَتْ لَوَاحظَهَا فِي القَلْبِ قَاتِلَةً
وَلَوْعَة العِشْقِ فِي وَجْدٍ حَمَلْنَاهَا
ونادل الحبّ يسقينا بصافية
كأسا معتقة بالشهد روَّاها
يَصْحُو الصَّبَاحُ وَيَلْقَانَا عَلَى وَهَجٍ
مِنَ الجَوَى وَيَضُوعُ النُّورَ خَدَّاهَا
وَمَا أُحَيْلَى صَبـَاحاً كَانَ يَحْضُننَا
بَيْنَ الخَمِيْلِ وَتشْــجِيْنَا بِنَجْواهَا
فِي سَاعَةٍ هَرَبَتْ مِنْ عُمْرِ غُرْبَتِنَا
كَادَتْ تَمُوتُ وَوَهْمُ الحُبِّ أَحْيَاهَا