إقرأقراءة في كتاب

دفائن القراءة والكتابة المؤلف: رعد فاضل

دفائن القراءة والكتابة
المؤلف: رعد فاضل
دار النشر: دار ومكتبة سنا

إنه لأمر لطيفٌ أن نتعرف على تجارب قراءً شُغفوا بالقراءة وأمسوا بفضلها نهمين ثم كُتاباً، ولا أوضح من هذا المثال كأستاذنا رعد فاضل الذي كنتُ أجهل حقيقةً عمقه القرائي وكذلك فلسفته في القراءة.

وأيضاً شعورٌ بالارتياح النفسي والانتماء عندما تجد التشابه في بعض التفاصيل بينك وبين هذا القارئ. حتى أنني تخيلت كل قارئ نهم كأنه قِبطان سفينة -على هيئة كتاب- وهو يبحر فيها وسط محيط الحياة متوجها إلى جزيرة المعرفة ليغدو إنسانا أفضل.
عندما تقلب الصفحات وتستعرض التجارب تجد تشابه البدايات في أغلبها، وكأن البيئة الأسرية المشجعة للقراءة ومكتبة البيت ولو كانت كتاباً واحداً هي الميناء الذي ينطلق منه مسافرو المعرفة. وكأن ذاك الفضول الإيجابي في أيام الصِبا هو الريح التي تدفع بالشراع نحو الأمام.
الكتاب فيه تجربة شخصية لرعد فاضل وحكايته مع القراءة سيما قراءاته الفلسفية والعلمية أحياناً وأخرى تقنية حداثية، وتناول أيضاً حديثاً عن المجموعة القصصية لرفيق عمره أستاذنا حسين رحيم. وذكر ما يخالجه عند قراءته لهذه المجموعة.
و لأن تجارب الكُتاب وعلى رأسهم الأستاذ رعد قد كتبت بأقلامهم فهي تتنوع في الأسلوب والمقاربة، حيث يبدوا جلياً أن الكُتاب ليسوا على أرضية مشتركة من فهم ماذا يريد الفلاسفة والعلماء والعباقرة والأدباء، لذلك تجد المشاركات تتنوع بين السيرة الذاتية القصيرة و بين الإيجاز المخل و اللغة الوعظية و بعضها تحسه كأنه ورقة تعريفية كتبت لتقديم هذه الشخصية في مقابلة عمل أو مؤتمر!
بالرغم من أن الكتاب يحتوي فقط على (160) صفحة إلا أنني وجدت فوائد غير محصورة في عدة تجارب محدودة من بعض الكتاب الذين ذكرهم رعد فاضل، وقد قدم لنا رعد فاضل نصائح وتجارب معينة للقارئ في الاسترشاد بها، حيث ان غالبية ما قرأته من تجارب وتفاصيل ذكر مراحلها في تشكيل توجهات وعقلية كُتابها.
ولا شك أنني وجدت ضالتي في بعض الفصول القيمة من تجربته الشخصية في القراءة مثل (سياسة ما بعد الحداثة، ساعي بريد الطفولة، ذكرى لا تجيء إلا من أمام، وجوال لأفكار) وكتابته لهذه الموضوعات بأسلوب ادبي بارع في الوصف والصور البلاغية الأخابة، وما تضمنته هذه التجربة من دروس وعبر في القراءة والكتابة الأدبية.
عموماً، اهم الدروس التي استخلصتها من هذه التجارب القيمة للكتاب تكمن في أهمية القراءة واكتساب عادة الممارسة وتنوع مجالاتها، وكيف انها الزاد الحقيقي لتجربة الكتابة التي تتأتى تباعاً كانعكاس لما تشربه القارئ من معرفة متعمقة بالقضايا والحصيلة اللغوية التي تساعد الكاتب في الكتابة والتأليف. كما ان جل هذه التجارب القرائية (ان لم يكن كلها) للكتاب بدأت بسن الطفولة والشباب، وهو شغف حملهم على مواصلة هذا العادة في القراءة وتنوع مشاربها، والمحاولات الأولى في كتابة المقالات الصحفية ونشرها. في النهاية، وجدت فوائد جمة من قراءة هذه التجارب الثرية لبعض الكتاب (ولا أقول الكل) وما قدموه من عصارة تجاربهم ونصائحهم للقراء الذين ربما يرغبوا في معرفة المعوقات والتحديات التي تواجه القارئ في تدوين أفكاره ورؤاه وانطباعاته عن قضايا يعيشها في مجتمعه. أنصح الجميع باقتناء الكتاب وقراءته.

من الاستشهاديات (الاقتباسات) التي اعجبتني واستوقفتني في الكتاب التالي:
• سر أن تكون قارئاً حيّاً يكم في أن تكون مُنقِباً وقصّاص أثر بارعاً وهذا يعني عميقاً أنك خارقٌ لأنتظام ما قرأت لجبابرة الكتابة والمعرفة والفنون في قراءتك، يعني أنك مكتبة كونية متنقلة، وسر أن تكون كاتباً حياً يعني أن تكون فاتناً أي مبدعاً. وسر الابداع يتطلب أن تكون مجالداً لا يعرف اليأس من وهن القراءة السائدة.
• أن ننسى يعني أننا قتلة لأننا في الحقيقة إنما نكون قد دفنا في مقبرة الذاكرة ما قد نسيناه.
• القراءة هي العالم الذي (هو أحد هذه الكتب) القراءة بالنسبة إلي ليست تبجيلاً للكتاب الذي أقرأ حسب، وإنما تبجيل لي أنا نفسي الذي أقرأ لا لأتغير فقط وإنما لأولد من جديد دائماً بعد قراءة كل كتاب (عالم) يستحق التبجيل.
• بت أخشى من عدم تذكري لمواضع أشيائي. غالباً ما كنت في الماضي أردد: القراءة تقوي الملاحظة، لكني على ما يبدو مخطئ إلى حد كبير.
• نعم (المقبرة لا تموت) كونها ظاهرة مرئية، مسماة بخاصة تلك التي لا تكون بعيدة عن الأماكن المأهولة. المقبرة هي الشاهد الحي الوحيد الباقي على أن حياة ما كانت هنا.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى