من رحيق البلاغة العربيّة بقلم: “عبدالرحمن حمد”
☘️من رحيق البلاغة العربيّة 🌺☘️🥃
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحبتي محبي اللغة العربية وبلاغتها المزهرة.🍇
أتكلم اليوم عن مفهوم الصورة البلاغية في الخيال الشّعري تعالوا لنتعرف على آفاق الروعة البلاغية.🍒
….
لقد جعل القدماء مفهوم الصورة الخيالية قائمة على التفكير الذهني المنطقي الذي يلغي الجانب النفسي الذاتي في عملية الإبداع الفني.🍒🍒
فالأديب العربي حين يبدع في إنتاج مادته الأدبية لايكون حاضراً في ذهنه حال المتلقي فحسب، ولكنه يجمع إلى هذا اهتماماً بالغاً بأداء مافي نفسه وتجسيد مشاعره وانفعالاته بألفاظ وإيقاع وصور.
فيجب على كل دارس للغة العربية أن يتمعن في روح الصورة البلاغية التي قالها الشاعر ودراستها دراسة معمقة وعلمية وبدقة تامة.
لاسيّما عندما نقرأ إبداعات أبي العلاء المعري عندما قال:
ـ ليلتي هذه عروس الزنج
عليها قلائد من جُمان
نقف أعزائي المتابعين أمام هذا التشبيه الجمالي الذي انتجه إبداع أبي العلاء.
حيث شبه الليل والسماء والنجوم بعروسة زنجية تقلدت لآلئ مرصعة بالجواهر
*فهل برأيكم نقتصر في تحليلنا لهذه الصورة على القول أنه تشبيهاً مؤلفاً من
مشبه هو ليلة سوداء ونجوم ترصع السماء، ومشبه به هو العروس الزنجية المزينة باللآلئ ؟؟؟؟؟
هل هكذا نكون وافينا جهد وإبداع أبي العلاء المعري؟
بالطبع لا لم نوافيه حقه يجب أن ندخل في أعماق روح كلماته البراقة.
هناك شيئاً خلف السطور وخلف أركان التشبيه يجعلنا نبحث ونبحث عن صلب وسبب إبداعية هكذا صور بلاغية من قبل شاعرنا المبدع.
فهلّا سأل منكم سائل أين عاطفة الشاعر مصدر هذه الروح المبدعة؟
باختصار شديد عندما نحلل نفسية الشاعر وملابساته الشعرية وندرك شخصيته واسلوبه وطريقة تفكيره وقتها يسهل علينا الوصول لروح ما يلفظه الشاعر من الفاظ براقة.
فإذا أتينا لصور الشاعر الجميلة في بيته الرائع لمخبرنا التحليلي الأدبي محللين ومفسرين ندرك ذلك السّرّ الذي تخفى من وراءه شاعرنا لإطلاق هكذا صور بلاغية مميزة.
فهذه الصور تثير في نفوسنا من عواطف واحاسيس ..
فنحن نعلم أنّ أبا العلاء المعري كان كفيفاً عاجزاً عن فهم الألوان ورؤيتها عيناه غير قادرتين على رؤية ماحوله إلا من وراء حجاب أسود
فالدنيا كلها سوداء في نفسيته حيث يعرف أنَّ هناك لوناً أسوداً هو أقرب الألوان لعينيه
بيد أنّه يعرف في الليل نجوماً تشع نوراً في السماء وأن هذه النجوم بيضاء متلألئة ولونها من أبعد الألوان لعينه
فضلاً أنه يعرف أنّ العروسَ تتحلى بقلائد وحلي حين تتزوج …
فشاعرنا أحبتي وحد ببراعته اللغوية والبلاغية بين هذه الصور التي شكلت حديقة كونية طبيعية وذلك كله منذ ولادته الشعرية.
برأيكم ماذا أراد الشاعر من خلال هذه الصور؟ ؟؟؟
ربما مال المعري ليثبت قدمه في عالم المبصرين وأن يظهر لهم أنه قادر على ما لا يقدرون عليه من تركيب المشاهد البصرية، ولكنه قدم إلينا صورة دقيقة الصنع،
أحدكم يسأل:
هل كان المعري معجباً بليلته؟ أهو محب لها؟ أهو نافر منها؟ ؟؟؟؟؟؟
المشهدالعام غير مستقر في نفسية المعري فهو يقول بعد ذلك :
ـــ هرب النوم من جفوني
هرب الأمنِ عن فؤاد الجبان
ــ قد ركضنا فيها إلى اللهو لما
وقف النجم وِقفَة الحيران
كما تلاحظون: فهرب النوم كهرب الأمن من قلب الجبان
صورة بلاغية تمثيلية لها دلالات نفسية عميقة
فهي تمثل نفور الشاعر من تلك الليلة لان عيناه تطلبان الراحة لأجل النوم كما طلب الأمان الجبان .
ثم تابع قوله؛: قد ركضنا إلى اللهو. فكيف يلهو في وقت النوم؟
غيرأنّه لديه صورة أكثر اضطراب مما قدم وهي وقفة النجم وقفة الحيران
هذه الصور تشير بدلالاتها النفسية للتمزق الروحي الذي يعاني منه الشاعر وللنفسية القلقة المتعبة
فالليل قد طال وامتد ..
فكيف نوافق بين الاحساس بطول الليل والميل للهو؟ ؟؟؟
هذه الالفاظ التي ركبها الشاعر تدل محاربة النوم لجفونه بات قلقاً حاله حال الجبان الخائف الذي فقد الطمأنينة والأمان.
فالمعري لايظهر لهذه العروسة الخيالية مشاعر التفاؤل
فالعروسة هي أداة من ادوات الزواج فالشاعر يرى أن هذا الزواج يشكل جناية وجريمة
يقومان به الوالدان بحق اولادهم بقوله:
ــ هذا جناه أبي عليَّ
وماجنيت على أحدْ
فهذه الأبيات تدل على نفسية المعري
وهي صورة موازية لمشاعره في ليلته المتطاولة القلقة حيرة النجم ماهي إلا حيرته هو نفسه بين الإقبال على الحياة واللعب في رحابها
والنفور مما ملأت به كنانها من سهام المصائب والألام
تلك التي ماتزال تريشها لتوجهها للأحياء منا.
فتلك الأبيات جميعها تمتلك جمالية بلاغية رائعة
فصورته ليست تشبيهاً تمثيلي يجمع فيه بين
مشبه ( هو الليل المدلهم بنجومه المشعة)
ومشبه به ( العروسة الزنجية)
التي تتقلد اللآلئ البيض
فكل ذلك لايشد نفسنا إلى صوره البلاغية بل :
ـ التناقض الواضح بين اللونين الاسود الغاتم / الابيض الناصع
في تلك العروسة الزنجية الخيالية
.
ثم تلك الحياة التي جعل من ليلها عرس تزف فيه العروسة فمزح بين الجدّة والطرافة في الصورة التي لم يسبق المعري إليها شاعرآخر
هذه المشاهد التي نسجت من خيال رجل وشاعر أعمى وضعت
الكثيرين هنا أمام مشهد يندر أن تقع عليه أبصارهم.
فجمالية التشبيهات التي انتجها شاعرنا كانت نتيجة تمازج العناصر الأدبية والبلاغية واللغوية والموسيقية التي وضعها الشاعر في قالبها المتناسق الساحر.
دمتم ودامت اللغة العربية وبلاغتها الساحرة.
أخوكم العبد الفقير لله: أ.
عبدالرحمن حمد/ الحسكة سورية🌹