همسك أمي (1) بقلم: “حوريـــة ميلك”
همسك أمي (1)
كانت أسعد مخلوقة على وجه الأرض ،عندما علمت أنها تنتظر طفلا ،بالرغم من حزنها على زوجها ،قررت أن تعيش من أجله وفقط ، كل يوم يمر عليها تزداد سعادة لقرب قدوم أنيسها الذي سينسيها كل آلام الزمن ، ومعاكسة الأيام لها ، لم تكن تدري أن السعادة الحقيقية يوم تراه بين ذراعيها ،جاءت ساعة اللقاء ، كان أجمل ماخلق الله ،و أعظم إحساس في الوجود ، الأمومة ، تهادى ضعيفا وهي له كل الحماية ، أفنت العمر من أجل سعادته وجاء يوم السعد الأكبر الذي تتمناه كل أم ، بالرغم أنها ستفتقده بعض الأحيان ، وتجهل أن يوم سعده هو ، بداية تعاستها ،بعد سنة من زواجه تغيرت الأمور عن آخرها، نادرا ما تراه ولا يهتم لحالها ، من تعود الأخذ لا يستطيع العطاء ، تشعر بابتعاده عنها كل يوم أكثر ، ولا تعلم السبب ، أو كانت تدري ولا تريد تصديق الخبر، لم تتدخل يوما في علاقته مع زوجته ،لأنها يكفيها سعادته ،…… لها أسبوع لم تغادر فراشها ولا أحد شعر بغيابها ، مرض أصابها ، وأوهن قواها ، لكن الله وحده رعاها ، وتحركت بعدها ، لتسأل قرة عينها ، المساعدة ، لبى الطلب ، قال الطبيب لابد لها من الرعاية لأن قلبها ضعيف وتعب السنين جعلها لا تقوى على المزيد ، أحتار الأبن ما العمل ، وزوجته لا تريد ، مرت أيام عليها لا تتحرك إلا قليلا …. لقضاء الحاجة والصلاة ، لها الله يحميها ،سمعت ذات مرة دون قصد ، كلام كنتها ، خذ أمك إلى دار المسنين ، فلا نستطيع حملها ، بقى الأبن حزين يفكر كيف سيخبر أمه ، عن قرار ليس له ، كيف يتخلى عنها وهي لم تفعل ، أفنت العمر وكانت ستكمل ، بحركة بطيئة والدمع بعينيها …. حزمت حقيبتها ، من سجادة وازار قديم ، ومجموعة صور لابنها منذ سنين ،وكانت حقيبتها ملآ بالأحزان والأفراح سويا ، رحلت دون أن يشعر أحد برحيلها ،ما أقساها من حياة ، وردا للجميل ، تاركة رسالة على سريرها ،…”بني لك حياتك ولي رب يرعاني .. لك حبي وحناني ودعواتي ؛ راحلة لسعادتك إبقى ولا تفكر أنها باقية على مر السنين ، لك وحدك قد عشت ، ومن أجلك …. سأضحي وأرحل … لا تبحث عني …. إمضاء بدمعة أم حنون …..
لم تكن حاقدة لأن قلبها يسع الدنيا وحنانها يغرق العالم ، فقط تتمنى السعادة الأبدية لروحها وقرة عينها .. وحيدها . ليلتها لم ينم هناك حلم بل كابوس يزعج نومه ، يرى أمه تدفن ولا يستطيع رأيتها أو الوصول إليها بالرغم من قربها ،تكرر الكابوس وهو يصرخ كل ليلة ، وينهض مفزوعا مع أهله ، ينادي أميييييييييييييي….أميييييي……. لا تموتي ، …… أسودت الدنيا في وجهه وهو باحثا عنها ، لم يجد لها أثر …لم يسعده حتى مولوده الأول ، سبحان الله حُرم من أول فرحة ، أصبح كالمجنون ، لايفقه ما يقول ، زار حتى القبور وكل يوم يسأل عن أي ميت سمع به ربما تكون أمه …… لم يترك أي مشفى ، مابقى له إلا التكفير عن ذنبه ، ربما يكون عند الله مغفور ، …. ترك عمله الأصلي وأصبح عاملا في بيت المسنين يعتني بهم بنفسه ولا يستكين بالرغم من تعبه الشديد ، حتى جسمه أصبح هزيل ، تغير من حال إلى حال سبحان مغير الأحوال ، لفت نظره هناك عجوزا ، أنهكها المرض ،…غير ملامح وجهها هو يشعر بدقة في قلبها وهي تشعر بنفس النبضة ، يعتني بها عناية خاصة ، هي ضعيفة البصر ، دائما تصلي وتسأل الله أن يسعد أبنها ، ويرحمه من ظلم الزمن ويعتقه من النار فهي سامحته على كل مافعل ، يسمعها دون أن تدري ، وفي يوم قرر سؤالها ، ….. إحكي لي يا أم لما أنت هنا أليس لكِ أهل…؟ قالت بلى لي أعز مارزقني الله أبن ، بارك الله في عمرك وحافظ على أمك ، أحكي لي يا أم ،بدأت تحكي وقلبه يتشقق وينكسر والدمع من عينيه ينهمر ، ضاق صدره أكثر ، وانفجر صارخا أماه مافعلت بكِ ، إبن عاق أنا ولا أستحق ، منكِ الدعاء الذي كنت أسمع ، أماه دعيني أقبل رأسكِ الزاكي ، وأقبل تراب رجليكِ ، وأمرغ رأسي على صدركِ … هي لم تصدق ماتسمع
لهمسكِ أمي أسمع وأجمل مافي الوجود أنكِ أمي …….. أحبكِ أمي
حوريـــة ميلك
21/03/2013