المقال

فلسفة الصمت بقلم: عبد المجيد محمد باعباد

(فلسفة الصمت)
ومن (أدب الصمت)
في (مقامة الصمت)
(الصمت خلق إسلامي عظيم وطبع إنساني رفيع)
(قل خيرًا أو اصمت )
الكاتب الدكتور عبدالمجيد محمد باعباد..
حكى لنا قارئ الصمت في بلاد الضجيج،ومن حوله صخب الحرب ووقع اللبيج ،والصوت الرجيج يعلو أهازيج الضوضاء والتأجيج في ربوع وطنه المهرج دماء الشهداء المضرجة، والمضج بطش القوات المدججة ونحن نرتقب التفريج ذات ليلة صفاء فيها الصمت البهيج تحت سماء أرضه التي قتلها شدة الصراخ وأجهشها عويل البكاء والنهيج،وذلك بعد أن زحف إلى ديارها الظلام المدجج بسواد التطرف المهرج أصوات الزوامل والأهازيج في بلاد أطربتها نوائح التشنهج وزعزعتها انفعالات التشنج حتى عكرتها المشاعر اليائسة وضيق الأمزجه ارتفعت مع قساوة الآلام الموجعة لأن الصراخ غدا ثقافة هذا المجتمع الذي يعلو فيه صوت الصياح والسلاح يتكلم أقبح لغة إنها لغة (القتل المستبيح) والحزن يكتسح ربوع الوطن الجريح وصحيح أن الكلام بين أبناء هذا الشعب أصبح محرمًا والأطراف المتنازعة لا تقبل منطق العقل لذا لسان الحال يقول بشعر الرصافي:
( يا قوم لا تتكّلموا
إن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلاّ النُوَّم
وتأخّروا عن كل ما
يَقضي بأن تتقدّموا )
فما أكثر الأبواق التي تتكلم ولكن كل الناس في صمم مقيت ولا حياة لمن تنادي فلا تجهر بصوتك عبثًا فلا جدوى من كلامك لأن أفواة السلاح وألسنة الصياح صاخبة في هذا البلد المنكوب لذلك فضلت الصمت لأن الصمت خلق نبيل وطبع أصيل ولا يتحلى بهذه المنقبة العظيمة والشيمة الجميلة إلا العباقرة الحكماء الذين يفهمون أن الثرثرة تقتل الإنسان مهما كان الثمن فلا تنطق الكلام إلا إذا كان كلامك خير من صمتك لأن الصمت مثلبة راجحة ومنقبة صالحة ترفع الإنسان إلى أسمى درجة من الخلق والدين والمروءة وتجعله إنسانا رزينا يحمل عقلًا واعيًا ورجلا راشدا لا يقحم لسانه بما يؤذي غيره ويقتل نفسه بتفاهة لسانه ولكن مجتمعنا العربي بأسره يجهل هذه الثقافة العظيمة والثقافة الواعية إنها (ثقافة الصمت) وتكاد تكون ثقافة الصمت نادرة في مجتمعاتنا العربية المبلبلة سخافات الكلام والمثرثرة تفاهات اللسان وزلاتها التي لا تغفر إلا من رحم ربك من عباده الصامتين والناس الصالحين ولأن الصمت منقبة عظيمة وشيمة جلية لا يعرف قدرها إلا العقلاء الأوعياء ويجهلها معظم الجهلاء الذين لا يعرفون أن الصمت خلق من أخلاق ديننا الإسلامي الحنيف وطبع عقلاني يشرف الإنسان ويرفعه بين الأنام فالصمت ليس عجزًا كما يظن ضعفاء البشر أن الصمت في أشد المواقف ضعف منهم والصمت ليس ذلًا كما يعتبره التفهاء خوفًا من الغير إن شتمك أو سبك أحد فصمتك في وجه غيرك ترفع عن زلاته وليس خوفًا منه ويرقى بخلقك هذه أسمى مكانة في مثل هذه المواقف والصمت ليس امتناعًا عن الكلام عند مشادة الكلام وماردته فقط بل الصمت ثقافة واسعة وشيمة واعية وأدب رفيع ونبل لا يدركه إلا رجل فطن ولا يمتثل به إلا إنسان عبقري ورجل فذ يعرف قيمة الصمت ويتخذ الصمت ثقافة ملازمة له ترتقي بحياته في سائر الأيام فصمتك وقت الفوز ثقة ،وصمتك وقت الغضب قوة ،وصمتك وقت العمل إبداع، وصمتك وقت الإساءة حكمة، وصمتك وقت السخرية ترفع، وصمتك وقت الاستفزاز انتصار، وصمتك وقت نصيحة الناس لك أدب، وصمتك وقت الاحتياج عزة نفس، وصمتك وقت الحزن صبر لقضاء الله وقدره وشكواك لله وحده فلاح وصمتك عبادة إن كنت ترضي الله ،ولو أطلت لكم فلسفة الصمت هنا لما قرأتم مقالي هذا بعذر الإطالة فإني دائما أحب التذليل المعرفي والتفصيل الأدبي بغية الإفادة المفصلة لمن يرغب النهل من كتاباتي بلا ثمل ولا ملل يداهمه فأنا أكتب للدهر وأدون هذا للزمان وأعلم أن معظمكم يقرأ بعض الأسطر من مقاماتي ثم يتركها بحجة الإطالة وفيها التبر المسبوك والثمر المقطوف لكل متذوق صاحب ذوق رفيع والحقيقة أن الذوق عند الناس قد مذر في هذا الزمان وخاصة هذا الأيام حب الاطلاع أصبح شذر ونادر من يقرأ ويجيد القراءة بتمعن وصمت حصيف وبدون ملل لأن قراءة البعض في هذه المواقع مجرد قراءة سطحية أو قراءة عابرة أو قراءة مارة لا تريد الفائدة وأن كانت مقدمة على طبق من أدب وبعيدًا من الاستطراد هنا فإني تعمقت في الأدب العربي فوجدت الكثير من الأبيات الجزيلة التي تتحدث عن أدب الصمت وأنه خلق جميل وطبع فضيل والوقت هنا والحديث عن أدب الصمت يطول أكثر لأنه موضوع واسع وضخم لا يحتاج إلا مقامة واحدة فقط أو مقال عابر نتحدث فيه عن شذرات قليلة ونحن بحاجة إلى كتاب يفصل ويشرح جمال تلك الأبيات الشعرية الصمتية والتي تحث على أدب الصمت وأقترح هنا لطلاب الدراسات العليا أينما كانوا في أوطاننا العربية عنوان جميل لبحث عنوانه (الصمت في الأدب العربي) فكم نحن بحاجة إلى رسالة بمثل هذا العنوان الصمت في الأدب العربي لأن مجتمعنا بأمس الحاجة إلى تعلم ثقافة الصمت عند الصغار والكبار المجتمع كله يحتاج هذه الثقافة الصمتية وأود أن أورد لكم هنا أنواع جميلة للصمت حسبما يظهر لي في تمعن أدب الصمت هناك أنواع كثيرة للصمت منها الصمت المتكلم وهذا النوع تجدوه في وجوه المساكين والمحتاجين عندما تتكلم مشاعرهم بلغة الصمت ونحن ندرك ذلك من دون كلام نفهم أن الصمت يتحدث بلغة المشاعر ومن أنواعه أيضًا الصمت القؤول وهذا الصمت تجدونه في وجوه العذارء وعلى وجوه الفاتنات والفتيات الجميلات اللاتي يكسوهن طبع الخجل ويتكلمن بلغة مشاعرهن الآسرة والملامح المثيرة للدهشة بصمت جميل يكسوه شدة خجل أو قوة حياء لا مثيل له وهناك نوع من أنواع الصمت اسميه الصمت المضطرب وهذه تجدوه في وجه إنسان أنهكته مشاغل الأعمال ويرد أن يتحدث للناس من حوله ولكن ملامحه تتحدث وصمته يتكلم عبر لغة المشاعر وهو لا يدري أو تجدون هذا النوع من الصمت في وجه طالب قتله قلق الامتحان أو شاب أسهره وجع الحرمان ولكن الهمسات التي بداخله تتحدث من دون كلامه فالصمت معناه واسع وفحواه شاسع وأدبه متنوع وفلسفته عميقة وهو شعور حساس وخلق جميل وطبع أصيل وثقافة واسعة بل هو لغة صامتة لا يفهمها إلا العباقرة….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى