القصة
سنة أولى فشل بقلم: “|فاطِمَة عمرَان|”
حدث في ٢٠١٧
سنة أولى فشل
ولأسببابٍ مغمورةٍ بالفشل قررت في عام ٢٠١٧ إعادة بناء نفسي والخوض في تجربة العمل.
وعند قراري المفاجئ هذا صادفني إعلانٌ لشركةٍ تجارية تم لصقه على حائطٍ مهمل ولكن بالنسبة إلي لم أتكاسل أبداً باعتبار هذه القصاصة الورقية على أنها فرصة ذهبية فكان هدفي الوحيد هو فقط الحصول على عمل.
اتصلتُ وحصلتُ على موعدٍ لإجراء مقابلة ، أتذكر جيداً يومها أني بقيتُ مستيقظة طوال الليل و متلهفة لقدوم الساعة الثامنة صباحاً،
ورنّ المنبه،
-يا الهي إنها التجربة الخاصة الأولى لي-
تألقت بأبهى صورة ثم ذهبت وفي مخيلتي أحلامٌ كثيرة.
في قاعةِ الانتظار وجوهٌ كثيرة كلها تريد قطف هذا العمل وكنتُ أصغرها،
طلب منّا الشاب الجذاب أزرق العينين إجراء المقابلة واحدة تلو الأُخرى أمام لوح وليس مدير فقد كان متعجرف بطريقة مثيرة للاشمئزاز.
تمنيت لو أن أزرق العينين هذا هو المدير فمزاجه أصفى من كوبِ قهوة.
بعد انتظار لأسبوعٍ كامل كدت أفقد الأمل فيه تماماً تعالى رنين هاتفي بالقبول الوظيفي،
فرحتي تسع الكون فلا أصدق أني سأحصل على عمل خاص بي.
تم تدريبنا لمدة أسبوع على أساسيات التسويق الميداني وبالعامية “أن نكون مندوبي مبيعات باسم الشركة”
شعرتُ بأني غير قادرة وأن هذا صعبٌ جداً وبالتأكيد سأفشل ولكن لم يكن لديّ أي نية للاستسلام.
الأيام الأولى سليمة للغاية، تجربة جديدة ، أناس جدد، مجتمع جديد ، شخصية صلبة وحماس نوعاً ما واستمر ذلك فترة وجيزة قاربت السبع عشر يوماً وفي اليوم الثامن عشر انقلبت عليّ كفةُ الميزان حيثُ عدت إلى المدينة الجامعية واليأس قد غمر قلبي وبحوزتي صفر ليرة سورية.
لم يشترِ أحدٌ مني حتى قلم كحلٍ واحد، وعندها جلست صديقتي بقربي و شحنتني بالطاقة بقولها لنأكل معاً ثم نذهب ونحاول بيع بناتِ المبنى هنا.
ضحكتُ ولم أمانع أبداً فقد كنتُ بحاجةِ خيطٍ يمنعني من الاستسلام.
تنقلنا من غرفةٍ لأخرى ومن طابقٍ لآخر وكادت السعادة تبرق بعينيّ حين قاربت الوصول من الحد المطلوب مني لإنجاز مهامي ثم وصلتُ إلى الطابق الخامس، الغرفة *** .
وإذ باستقبالٍ لطيفٍ بدايةً ومجموعة كبيرة جداً من الفتيات، جلستُ وبدأت بالشرح عن المنتجات التي بحوزتي حتى أرى قنبلةَ أنانيةٍ تنفجر.
ألديكِ علمٌ يا فاطمة أن هذا ممنوعٌ هنا، عرفت الفتاة بنفسها وقالت أنها المشرفة المسؤولة عن الفتيات ضمن هذه الوحدة السكنية.
ثم ضحكت ضحكةَ تملّكٍ و أخذت حقيبة أشيائي وهددت: أتعلمين ما يمكنني فعله؟ أحتفظُ بهذه وأعاقبك أقل ما يمكن.
و جالت بأرجاء الغرفة تحمل حقيبتي وقلبي بيسارها و سجائرها وتكبرها بيمينها.
كنتُ في موقفٍ لا أُحسدُ عليه مطلقاً لم أتعرض لظلمٍ كهذا من قبل فلم يكن مني سوى البكاء، بكيتُ كثيراً فقد قامت هذه الانتهازيةُ بالسخريةِ مني أمام عشرة فتيات و أخذت حقيبتي وهددتني ومع ذلك تقول أنها مشرفتنا ومسؤولةٌ عن حمايتنا بأي قانونٍ عادلٍ قيل هذا.
ثمّ أضافَت على قبحها قبحاً:
كيف لكِ أن تعملي هذا العمل المليء بقلةِ الكرامة لو أني بموضعك من المستحيل أن أقبل بذلك و ضحكت ضحكةً فاجرة ثم منحتني حقيبتي و ذهبت مكسورةَ الخاطر.
وكان ذلك يوم عملي الأخير، قدمتُ استقالتي محتفظة ببضع الأمل الذي تبقى بداخلي وذهبت.
وبعد مرور سنتين
٢٠١٩ /أمام مبنى كلية الحقوق
لقاءٌ مفاجئ يجمعني بتلك المشرفة كانت شاحبةَ الوجه وتحمل بيدها حقيبة كالحقيبة التي كانت بحوزتي قبل عامين ودارَ بيننا حديثٌ قصير علمتُ فيه أن كفة الميزان دوماً عادلة وأنك حتماً كما تدين تدان.
فقد قالت لي أنها تعمل ذات عملي القديم وبذات الشركة وطلبت مساعدتي في بعضِ الإرشادات والجواب على بعض الاستفسارات.
حاولتُ كثيراً التصرف مثلها وجرحها كما فعلت قبل عامين ولكن حقيقةً لم يطاوعني ضميري ذلك فقد مررت بصعوبة ما تمر به هي الآن طبطبتُ على مخاوفها برسمية مطلقة وذهبتُ في حال سبيلي.
ولسوء حظها تم طردها من الإشراف وتعيين أُخرى و بالتالي فقدت كل ما تتباهى به.
لهذا الحدث القصير في حياتي حكمة عظيمة تتلخص ب:
إياكم وكسرُ الخواطر فلا تعلمون كيف تُقلب حياتكم من حالٍ إلى حال ، العملُ ليس عيباً بل إنه خبرة جديدة.
و إياكم والاستخفاف فلكلٍ عملٍ قيمة ولكل تجربة بصمة خاصة بحياةِ كل فرد منا تصقل ثنايا شخصيته وتبقى ذكراها محفورة بكل تفصيل منها.
|فاطِمَة عمرَان|