الخواطر

شأنُ منْ؟ بقلم: “نسرين الزيادنة”

شأنُ منْ؟
على نحوٍ مخالف للكثير بالتعبير عن فجيعة تخلّي أحدهم عنهم، أخطُّ بقلمي الغويص مَقْفَر خذلاني لإنسيّ، بعد أن استهلكت وحشيّتي معه، واستنفذتُ جُلَّ نرجسيّتي على طيبته، لستُ بشيطان أو من أحفاد ماردٍ شرير، أنا إنسان جُبِلتُ بالتثبيط والخذلان، نُهشت روحي على أيدي الدخيلين والدانيين، حتى أصبحت بِلا رأفة، تحوّل اللين بغتة إلى الرعونة والقسوة، عندما داهمتُ كيانه وسلبتُ منه حرّيته، جعلته سجين أفكاره في قفص جميع قضبانه تضجُّ برائحة ذكراي.
لطالما أخذني احتراقه بلهيب بَرَسي في كل مرّة أرقبه يترَقّبني بصحبة سيجارته السّفاكة على طاولة خشبية مستديرة كقرص الشمس يعلوها الجوري الملوّن بالحب كقلبه، وتستهويني أصوات طرقعة مؤخرة حذاءه بِبُسطةِ الأرض، وجرس فرقعة أصابعه التي تنبسط وتنقبض، تعتصر نفسها وتتعلق ببعض وتستسلم لأبسط التخيلات، وتأخذه الحيرة حتى أنّي كنت أُبصر ابتسامة محمومة تتولّد على شفتيه تشوبها هيعة بليغة، ثمَّ تتراقص يداه حول لفافته البيضاء على عكس سوادي التي انطفئت قُبيل وقت دون أيّ تيقّظٍ منه، وتستقرُّ عيناه على مدى بعيد استطعت من خلال ذلك أن أُحصي عدد رموشه منها مئتان وخمس شعيرات في رمشه الأعلى وثلاث وسبعون شعيرة في رمشه الأسفل دون تلك التي سقطت للتو، وأتأمل على مهل أنفه الدقيق البارز والشفتين المضمومتين، نعم أتناقض مع ذاتي أضعف لفطرتي الرخيّة، ولكن سرعان ما أُعاود التصلّب وأصبح متبلّدة تمام التبلّد حتى أني أبسط العواطف لا يمكن أن تسكنني.
بعد حينٍ من انتظاره لي بلا أي جدوى لا أدري أي قوة باغتته، أدار نظره للساعة انتشل نفسه ورحل، كانت خطواته متثاقلة موسِرة بالحَرقة، تراءى لي ظلّه يصرخ بأعلى صوت: أين أنت؟ لكنّه لم يفلح أبدًا.
الكاتبة الأردنية نسرين الزيادنة

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى