القصة

ربما تكونُ القسوة على حق بقلم: “فاطِمَة عمرَان”

القصة الثانية من سلسلة رغم الفشل
ربما تكونُ القسوة على حق
_______________________
عند رسوبي في سنتي الدراسية الأولى كان هذا تتويجٌ لفشلي الأول، وبعدها عاهدت نفسي ألّا أفشل مطلقاً، ولكن
لأسبابٍ خرجت عن إرادتي عاودت الرسوب للمرة الثانية في سنتي الجامعية الثانية، وحينها لم يحاوطني سوى الاحباط.
لقد أخفقت مرة ثم ثانية، يا ترى ما هذا المستقبل المظلم الذي ينتظرني؟
شعرتُ وكأني غرقتُ في بئرٍ من الإخفاق ولم أرَ إلا الظلام يحيط بي أينما توجهت.
*سنة ثانية فشل*
*************
جالسةٌ خلف كرسي المحاسبة متألقة بأبهى ما لدي من ملابس ومساحيق تجميل وابتسامة مشرقة، ثمّ رابطٌ على فيسبوك يقلب مجرى التفاصيل
“لقد تم إصدار نتائج المواد التالية على الموقع الرسمي لكلية الهندسة الزراعية”
بدأ العد العكسي، خفقان غير منطقي وأفكار لا عادية وخوف لا بل رهاب شديد وبعد.
بقي مادة واحدة تحسم الأمر ثم انتظارٌ أشبه بالمشي على الجمر، وكانت النتيجة خسارة
(لقد رسبت)
جاءَ الخبر كفأسٍ ضرب رأسي وغبتُ عن الوعي، وليس لنفسي أي عزاء يخفف عنها.
علمتُ حينها أن أجراس الحرب قد قُرعت وأنني سأقاوم وحدي وفقط وحدي.
بخطواتٍ مائلة ذهبتُ إلى المنزل وكالعادة وجدت استقبال ضحوك ونكات يلقيها والدي علينا دومًا.
دخلت إلى المطبخ والخوف يقيد لساني ثم قررت بدأ إعلان الحرب فانتظرت حتى اجتمعت العائلة وبقنبلة مفاجأة ودون أي مقدمات اعترفت (لقد رسبت).
بدون سابق إنذار غابت نكات أبي التي اعتدت عليها وحل مكانها وابلٌ من اللوم وكنت قد هيئت نفسي مسبقاً لهذا الصراع.
اعتقدت أن والدي سيلقي اللوم ثم تعود المياه لمجاريها ولكن حدث غير المتوقع،
أذكر جيدًا أنها المرةُ الأولى التي يوقظتي صباحاً و يجبرني على الذهاب للبقالية والالتزام بها بدوامٍ كامل وأيضاً قام بمصادرة هاتفي المحمول بالإضافة إلى منعي من التواصل مع أصدقائي.
قد بكيت وبكيتُ كثيراً لم أعتد على هذه الجدية يوماً،
لم تكن اليد الحانية سوى أمي وأخوتي ولكن لم يستطيعوا فعل شيء، واعتقدتُ أن الأمر سيدوم لأيام قليلة لكن بقيت على هذا الحال لشهرٍ كامل، شهر مفعم بتجاهلي وبث شعور النبذ بداخلي وإخباري بكمية فشلي إلى أن بدأت أشعر برفض ما يحدث.
أفكارٌ تسبح في فضاء رأسي وتقول لن تستطيعي الالتزام هكذا يجب أن تتفرغي لإعادة ما بقي معك من مقررات دراسية يجب أن تتجاوزي هذه السنة. ثم قررت الالتزام بعملي الخاص بدلاً من العمل في بقالية أبي من الصبح حتى المساء.
أذكر جيداً أنني فكرتُ بعمق واستهلكت الكثير من طاقتي وأنا أبحث عن عمل يناسبني وأخيراً اخترت التدريس كوني عاشقة لمادة الفيزياء.
قد راسلت جميع المعاهد التدريسية الخاصة في مدينتي وقابلني الرفض التام كوني ليس لدي خبرات سابقة حتى نال اليأس مني.
كان أبي يراقب مجرى الأحداث بانتباه ودقة وصمت.
في يوم استثنائي جاءت اختي برفقة صديقتيها وطلبتا مني البدء بتدريسهما.
قد أضاء ذلك قلبي من جديد ولم أتكاسل أبداً بتحديد موعد الدرس الأول ثم التحضير والإعطاء.
تجاهلت القيمة المادية لعملي من فرط فرحتي بإيجاد فرصة.
وبخطواتٍ ثابتة هذه المرة أخبرتُ أبي أني سأعتذر عن البقاء في البقالية بسبب الدروس وذهبت لأول حصة.
انسجمتُ مع طلابي جداً وشعرتُ بأنني ذات قيمة وأن لي كياناً خاصاً.
عندما وضبت أشيائي لأذهب بعد حصتي إلى المنزل دعاني أبي لأجلس وقال:
كانت القسوة على حق هذه المرة، أصبحتِ واقعية أكثر وذات تفكير ناضج وأكثر وعياً.
كان هدف كل ما فعلته سابقاً وصولك لهذه المرحلة من النضج أن تدركي أن الحياة ليست سهلة ومن الواجب أن تكوني سيدة نفسك.
أعاد لي هاتفي المحمول وفك القيود وعادت الضحكة والنكات، قد مضى على العقاب وقت طويل استطاع قلب موازين شخصيتي.
كبرت الإنجازات اللطيفة بعد تلك البداية التدريسية وزاد فخر أبي.
أشكر قسوة والدي الحنونة التي جعلتني الآن أعرف وأقرر تماماً الهدف من كوني فاطمة.
تكبر بقلبي جميع أعمالي و يتوجها دوماً ذكر أبي.
|فاطِمَة عمرَان|

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى