المقال
توطئة بقلم: “عبدالمجيد محمد باعباد”
دعوة معاول الفكر وحملة الأقلام
إلى غرس الأمل واقتلاع اليأس
الدكتور: عبدالمجيد محمد باعباد
….توطئة….
إن من يطالع الأدب العربي بمختلف أنواعه، وفي سائر أغراضه الشعرية والنثرية في كافة عصوره المعروفة، يقف القارئ الكريم عند اطلاله البيانية الخالدة فيشتشعر في نفسه فخرهُ ومدحهُ؛ ندبهُ وحزنه؛ غزلهُ وهزلهُ؛ عذبهُ وجزلهُ؛ قريضهُ ونقيضه، رثاؤهُ وهجاؤه، وإطراؤه وإطلاؤه، شدوهُ وطربهُ، حلوهُ ومرهُ،وسائر متونه وفنونه الخالدة شعرًا ونثرًا حقًا ينتاب منها دهشة القارئ المتذوق ويشعر في نفسه روعة فائقة، ويرتشف من نصوصها عذوبة رقراقة، خاصةً القارئ الذي يمتلك ذائقة، وعنده ملكة فارعة في هذا الفن العربي الأصيل، حيث يجد المتذوق هنالك ما شاء من رقة الألفاظ، ولطافة معانٍ يدب منها السحر غمزاتٌ وألحاظ، ويستعذب بها اللسان العربي ويستمتع منها الناس كافة ويعشونها لفظًا ونظمًا وحفظًا مما تركت أمم العرب، وحضارة الإسلام ثروة ثرية من قرائح الشعر وملكات الأدب الرائعة حقًا العرب هم أمة البيان الخالدة في كل زمان، وفصاحة اللسان الناطقة، أبلغ حضارة فائقة منذ فجر الإنسان، فهنالك من القصائد العربية والخطب والمواعظ، والشواجي والمراثي، والحكم والنظم والأمثال والأشعار المعلقة في قلوب الناس كافة ذائعة الصيت، مستلذة في كل بيت محاكمة الوزن والمقفى، وثيقة المبنى ،كريمة المجنى، جامعة بين حصافة اللفظ ولطافة المعنى، وطابقت مقتضى الحال البلاغي؛ بعذوبة فائقة مستصاغة عند الناس كافة لطراوة فحولتها، ورونق عذوبتها، ويتلونها العرب على مجرى اللسان في كل زمان، لأنها تخفف عنما يجدوا في نفوسهم من معاناة وآلالام بالغة، وتعبر عمنا يحسوا في داخلهم من مشاعر(الألم والحزن الوجع الفقد الحنين الآنين الحب والاشتياق، الحزن،الفرح السعد وغيرها ….إلخ)ويستلهموا منها مختلف مشاعرهم الحسية والوجدانية، ويعبرون عن مشاعرهم النفسية بأشعارهم هذهِ، والنقطة المهمة التي أود الحديث عنها هي(اليأس_ والأمل) مسألتان مهمتان في تاريخ الأدب العربي عمومًا لم يفطن لها الشعراء قديمًا وحديثًا الفحوى عندما ينظر الشاعر العربي إلى الحياة من حوله بكافة تفاصيلها وينظر إليها بمختلف أطوارها، ويقيمها في سائر أنماطها بنظرة يائسة يترك لنا شعرًا يائسًا، وأدبًا يائسًا يخلده بيننا مدى الزمان، ويزيدنا من يأسه هذا يأس يتراكم فوقنا يأسنا، ويزيدنا تشاؤمًا إلى تشاؤمنا، فيبعث فينا مشاعر الاشمئزاز والتثاؤب من الحياة فيداهمنا شعور الإكتئاب، ونصاب بحالة من الإحباط واليأس، وعندما ينظر الشاعر العربي إلى الحياة بنظرة فآئلة ويطرق مناحيها المختلفة بفكرة مؤاملة، يبعث فينا شعور الأمل، وينعش داخلنا روح التفاؤل، ويحدث في نفوسنا التأمل مجددًا يروي جدب خواطرنا، ويحيي موتى مشاعرنا، ويسقي قحط قلوبنا بأمل الحياة، ويزرع في داخلنا زهور الأمل الوارفة بنظرة رائعة مختلفة عنما كنا نتصوره يدهشنا بقصيدة صاخبة، أو فكرة ماحضة متأملة وأشعار بديعة متفائلة يزيح بها مشاعر اليأس والتشاؤم عن نفوسنا، وهكذا ينتابنا الأمل ويداهمنا شعور التفاؤل عن كثب نشعر بروعة الحياة ونعيشُ بالأمل مجددًا حتى آخر نفس، لكن من يطالع بعين فاحصة مدونات الأدب العربي وكافة أشعاره المتنوعة يجد أن الكثير من شعراء العربية قديمهم وحديثهم، قد تركوا لنا موروثًا فائقًا من الشعور اليائس ومشاعر الإحباط واليأس، وحالة من القنوط جاثمة في صدورهم، وخالدة في سطورهم وهذا بدوره يترك في نفوسنا الأثر البالغ، وخاصةً نحن المولعون بالأدب، والمولهون بعذوبة الشعر، والمتعطشون رحيق القرائح بشغف قلب، نحس بكل نص مكتوب، ونفهم مختلف ما دون وكل ما كتب في هذا الفن العربي المبين نغوص في عمق نصوصه، فنستخرج منها الدر الثمين، فمن خلال مطالعة ملكتي المولعة بمصنفات الأدب، ونفسيتي المهيفة بالشعر والنثر ومدوناتهما المتنوعة، وقراءتي المستشفه عصائر الكتب، وسعة حافظتي المليئة بالأشعار، في هذا وجدت الكثير من أبيات الشعراء المشهورين في معظم أشعارهم مشاعر اليأس تنؤ بذكر المحابر، وحالة من الإحباط مكنونة في بلاغة قوية محكمة الأسر تؤثر في شعور المتلقي بسرعة وتترك داخله الشعور اليائس لأول ولهة يقرأ المتذوق هذهِ الأبيات فيتأثر بمعناها اليائس، فينعكس ذلك على نفسه، فيعيش هذا اليأس برحابة صدر وضيق نفس، فلو فصلت محتوى ذلك لوجدتم البعض من الأبيات المشهورة من أبيات شعراء مشهورين كأبي العلاء وبشار والبحتري والمتنبي، والشابي، وأبو ماضي وغيرهم الكثير ممن بلغوا صيت اللسان، وفاقوا روعة البيان في كل زمان سطعت أسماؤهم على سماء الشعر، ولكن في بعض أبياتهم ما يدعو إلى اليأس وحالة من الإحباط، والتذمر والنظر إلى الناس باشمئزاز، والتهكم من أحوال أنفسهم، والسخط من حياتهم وعدم الرضى بما عندهم ويعبرون عن ذلك في أشعارهم ولكن بطريقة سحرية فائقة الدهشة وهذا ما لا يتسع ذكره هنا ولا يخفى عليكم أن هناك من بين هؤلاء الشعراء كانت بضاعتهم إغذاء الأدب، وإثراء بحور الشعر باليأس فقط مثل ابن الرومي وغيره، ولا يخفى عليكم أن أكبر ديوان شعر في تاريخ الأدب كافة هو ديوان ابن الرومي قرأت معظم أبياته لإجراء مناظرة شعرية معه فأصبت حالًا بنوبة من اليأس داهمتني وتأثرتُ بحال هذا الشاعر اليائس، وأصبحت محبط مثله انظر إلى الحياة من حولي باشمئزاز،فلو اتيحت لي فرصة جمع الأشعار اليائسة من دياوين الشعراء كافة، وجمعها من مدونات الأدب لجمعتها في بحث خاص تحت اسم اليأس في الأدب العربي لفعلت ذلك مع الشرح والتفصيل والتعليل، ولكن يجب التنبيه أن هذهِ الأبيات اليائسة بدورها ستترك في نفس القارئ شعور اليأس نفسه مجددًا نزرع في داخله اليأس والحياة بأمس حاجة إلى زراعة الأمل، وبعث الأمل في نفوس الناس من متطلبات الحياة الضرورية تقوم عليه الحياة، ومن الضروري استمرار الأمل حتى وفاة الأجل، أجل فهو من أخلاق الدين الحنيف، فقد حثنا رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم على التحلي بالأمل حتى آخر نفس من حياتنا، مهما كان الأمر حتى وإن قامت الساعة فغرس الأمل من واجبات ديننا الحنيف أجل كان رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم خلقه الفأل الحسن،فإلى مزرعة الأمل هبوا يا رجال، وإلى بستان الفأل، توافدوا يا فطاحلة الفكر،نحو حديقة البِشَّرِ، تباشروا بالخير أيها البشر: الأمل مهجة الحياة حتى آخر نفس، أيها الناس إليكم جني قطاف هذهِ الغرروس، لعلكم تجدون في أعذاقها حلوة العنقود، ولعلكم بغصن إيراقها تجدون أملكم المفقود، فقد حكى لنا الفتى باعباد، بعد أن امتشق برية المداد، وطلع شروق الأفذاذ، وأمطر فصول السرد، وأطرف هطول الرذاذ، وأشنف جلوة البلاد، وامتطى صهوة الإفراد، ونادى كل منادِ: فقال: يا حملة الأقلام لنكن كتَّاب أمل، لا كتاب يأس يكفي ما نحن فيه على أرض هذا الواقع البئيس، علينا أن نجعل من حالنا اليؤوس هذا ، أنفس حال لأنفسنا وأهلنا وأولادنا حتى لا نستميت بأنفاسنا المحبوسة، أجل ستبرقُ سحابة الصيف عما قريب سيحل الخصب، بعد جفاف الجدب سينمو بداخلنا زرع الأمل ويسعود ذلك الزمن الجميل كحال الطفل الوديع، يظن أن الحياة كلها فرح ومرح، ونحن قد طفشنا من الأحزان والأتراح، ولكن ستخضر الأغضان اليابسة في قدوم الربيع، الأتي ستنمو الأرض بالروض المريع سنظل نزرع في حياتنا الأمل مهما استبد اليأس في حياة الناس ومهما استعمر نفوسهم بأحوال البؤس هذه فلن يدوم الحال طويلًا بإذن الله تعالى فمن سنن الحياة التحول والتقلب والتبدل والتبدد والتجدد والإنسان يمر في حياته بجميع الأحوال والمراحل المختلفة فقط ما على المسلم المحتسب إلا أن يحسن الظن بالله تعالى ويتوكل عليه دائمًا وأبدًا وأن يحمده ويشكره سبحانه العظيم على أية حال تنابه فهو القادر على تحويل جميع الأحوال بغمضة عين وانتباهتها فلا نيأس أبدًا ولا نتذمر إن تقلبت الحياة في وجهنا مهما صار الحال علينا أن ندعو الله دائمًا بالهداية والصلاح وعميم الرزق والعافية والسلامة ونأخذ بالأمل والعمل معًا فهما سلاح المؤمن الصبور وخلق العبد الشكور ما أجمل شعور الأمل فهو مآمن كل محتار وخلق قويم يتخطى بك إلى أبعد مشوار وهو طبع الطموح وخلق المكافح المغوار وشيمة الإنسان الناجح الذي لا ينهار أمام أبسط إخفاق في حياته فعلينا أن لا نتغير ولا نتذمر دائمًا وأبدًا أمام أي تحول يحول بيننا أو أي تقلب يديرنا بعد صرف الدهر بل علينا أن نتكيف مع أحوال الحياة جميعها ونصمد مع تقلباتها كافة بصبر وإيمان وقلب متأمل دائمًا فلو كان الثبات من ظواهر هذا الكون، لظلت الشمس في مكانها، ولتوقفت الأرض عن دوارنها، فلا نيأس نحن البشر، نتحرك وندور حسب النظام الكوني البديع، فالإنسان بتكوينه الجسدي وتركيبه النفسي يعيش في تماثل مع تضاريس الطبيعة والبشر جميعًا فطروا على هذهِ الفطرة الإلهية على هذهِ الأرض نتماشى معها وندور مع مناخاتها المتحولة ونتكيف معها بإتقان إلهي بديع ونتقلب في هذه الحياة في كلا الحالين نحن البشر كالنجم مطلعًا وأفولًا نحن كالمزن ممسكًا وهطولاً نحن كالبحر هائجًا وسكونًا نحن كالريح ثورةً وسكونًا نحن كالنسيم باردًا وسخونًا نحن كالظن صادقًا وكذوبًا نحن كالغيم مودقًا ورذوذًا نحن كالسحب راكمًا ونفورًا نحن كالماء جاريًا وركودًا نحن كالروض مخضرًا وذبولًا نحن كالذوق علقمًا سائغًا وحلوًا معسولًا نحن كالحال سالمًا وسقيمًا نحن كالبال صافيًا وكئيبًا نحن كالبدر محاقًا وعرجونًا نحن كالطيف لامعًا وخفوتا نحن كالذهن صاحيًا ونؤومًا نحن كالقلب مفرحًا وحزونًا نحن كالعقل واعيًا وجهولًا نحن كالعمر يافعًا وكهولًا نحن كالدهر مخصبًا وجدوبًا نحن كالجسم طاقةً وخمولًا لذا ينبغي علينا الأخذ بالأمل في كافة تقلبات الحياة فهو أقوى سلاح نقتل به يأس حياتنا بؤسها ونعيش بالأمل في الحالين مهما كان الحال فالأمل كفيل أن يوصلنا إلى ما نصبو إليه وبدون ملل أو كلل فالأمل نعمة متجددة وفكرة متوقدة حتى قيام الساعة….
أنت وشخصان آخران
٢ تعليقات
أعجبني
تعليق