الفراق في عرف آل مخيف بقلم:عبد الباري المالكي
الفراق في عرف آل مخيف
دراسة نقدية عن قصيدة (وافترقنا) للشاعر جمال آل مخيف
في قصيدة (وافترقنا) أوجدَ شاعرُنا الجليل ألشيخ جمال ال مخيف الغزلَ النموذجي في قصيدته هذه ، بنغمٍ موسيقي خاص ، وقافيةٍ ظلّت طوعَ أنامله , حتّى شاء أن يمتطيَها ، فزاوجَ بينهما وأحسنَ التحركاتِ فيهما حين ولج عالمَ المشاعرِ والاداءِ بأمنياتٍ ثرية ، ولم يعد قادراً على الصمت ، فباحَ بما في داخله من صيحاتٍ ادهشتْ قرّاءهُ ، لتصيخَ آذانُهم إليه ، دون خروجٍ عن المادة الواحدة والذوقِ السائد في مجتمعنا ، حيث تكمنُ مأساتُه في ذوبانهِ الدائم في معشوقتِه التي يعاني مرارةَ فراقِها في لوعةِ عاشقٍ ، وحرارةِ تجربةٍ ، وقدرٍ من طاقةٍ ، تلك التي لطالما بها امتدتْ كفُّهُ لكفَّها ، بكلِّ تمرّدٍ وثورةٍ عبر وصفٍ فنّيٍ تصويريّ ما بين دموع الأحداق ، وصدى القلوب ، بمخيلةٍ نأتْ به إلى جوهرهِ الاصيل بما يمسُّ صدَره الذي غَدا معبداً لا يعرف الخمول ، وبما استتْبَعَ ذلك من كثرةِ دلالاتٍ خاصةٍ في وصفِ ذلك اللقاء والشوق ، واشعال نار الليل بصياغةٍ شعرية أنيقةٍ يُخيُّل لقارئها أنه (هذيانُ عاشق) ، وذلك لِتراسُلِ الوصفِ في معجمِ صورهِ ،دون ان يؤول الى الزيغ والضلال ، حيث منحَهُ هذا الوزنُ الراقصُ والقافيةُ الغنائيةُ جوازاً للمرور الى ساحة قلوب عشّاقهِ ومتتبّعيه ، حيث لا يتأتّىٰ ذلك إلا مع اشاراته السهلة وانتقالاته الموفَّقة والتي ضاع فيها خطْوُه ، ولمّا يبلغْ شوطَهُ وما هو ببالغِه :-
(ضاع منا الخطو ، والدرب لنا مغرماً كان…. )
ويفترق شاعرُنا عن معشوقتهِ بعد انتصاف الليل بكلِّ ما لتلك الكلمة من صلاحٍ في موقعها السمعي ، وما لها من معنىً وجداني في الفؤاد ، فلا عجبَ لشاعرنا عندئذٍ ( وهو الذي قد تجاوزَ شرخَ الشباب )
أن يكون آيةً ليس أصدق منها في العشق والهيام ، حين يروقُ له كشفَ أحاسيسهِ الفائرةِ في نفسه العاشقةِ بحيويةِ حبٍّ ، وعمقِ تجربةٍ ، فتَغَشّتْهُ غاشيةُ ذلك العشقِ الذي لم يكن في حسبانهِ أصلاً (وقد صبَّ وجفّ) ، فهتف دربُه له ، وشَدا قلبُهُ على عهدٍ سابقٍ بلحنٍ باسمٍ خشيَ شيخنا الجليل بسببهِ أنْ يُتَّهَمَ بالجنون او الشطط ، وتلك تهمةٌ شائعة لا يسلمُ منها إلا الحصيف ، لما في لجّة الليل من عبيرِ ٱنتشاءٍ وإطراقِ روحٍ ّ ، وذروةِ سُكْرٍ مزّقَ الصمتَ خمْرُهُ ، وهمْسِ شفاهٍ بلا تحرّزٍ ولا تمنّعٍ وأشواقٍ قد صدحتْ حتّى استوفتْ شعابَ الكلام ، وجاستْ عواصفَ المشاعرِ المهملةِ بذكرىٰ استغرقتْهما ، واستغرقاها ، في صميم وجودهما معاً، وهو مشهدٌ يُخَيَّلُ لمَنْ يتأمّلهُ أنّه يتدبرهُ بعينهِ ، وأذنهِ ، ووجدانهِ ، فلا يطفرُ في ذهنهِ إلا الاشتباهُ والمخالفةُ للأعرافِ والتقاليدِ ،
والتحدي في دغدغةِ المشاعرِ العابثة ، فكانت قراءةُ الظنّ ، ولهيبِ الشكّ ، واثارةِ النزوات حاضرةً على لسان بدْرهِ ، ما جعلَهُ ينصرفُ حياءً وخجلاً دون رجعة ، وهو إذْ ذاك يحفظ لهما قذىٰ عيونٍ، وعباراتٍ سدىً .
إن الدائرة التي تحرّكَ بها شاعرنا آل مخيف هي دائرة واسعة جداً ، ً بسبب رصيد مشاعرهِ الإنسانيةِ الكبيرة ، فهو يقف على جوهرِ الفؤاد دون بريقهِ الخارجي ، فيجعل منه أصداءً شتىٰ لا يدركُها الا مَن يرتفُع بالشعور الإنساني الى قمّة لواعجِ الرجل والمرأة على السواء ، ويطربُ قرّاءَهُ وجمهورَه .
وخلاصة الأمر , أن شاعرَنا الكبير قد أبدعَ بنقْشِ صورهِ الغنائيةِ في قلوبِ عشاقِ فنّهِ ، وعشاقِ روحِهِ التي مازالتْ تعيشُ طراوةَ السنّ وريعانَ الشباب .
قصيدة (وافترقنا)
وافترقنا بعدما الليلُ انتَصفْ
واختفى البدرُ حياءً وانصرفْ
لمْ نكنْ نرمي من الجمرِ قرى
أو نصفَ الدمعَ للأحداقِ صفْ
ضاعَ منا الخطو والدربُ لنا
مغرماً كـــــانَ وإذ شاء هَتَفْ
كم طوينا مـــــن عباراتٍ سدى
حينما الكفُ اهتدى وامتد كَفْ
وطربنا لصـــــدى القلبِ على
همسةِ العشقِ وماالقلبُ أسفْ
وأزحنا الشوق والصدرُ غَـدا
معبداً أسرى له الوحي وعفْ
هكذا القلبُ عـــلى العهدِ شدا
لحنهُ الباسمُ في العشقِ ورفْ
وكتبنا فـــي هوى الليلِ متى
نستقي الحبَ وقدْ صبْ وجفْ