الخواطر

البحر على البحر

البحر على البحر
أمام الخوف من الإمبراطور كوفيد ال19 ، كان علي أن أتجاوز سيولة البحر هذه السنة وأن أعتبر أن في “الصيف ضيعنا العزم”…قلت لأمي : البحر عليكم هذا العام، هذا العام سأجلب لكم البحر إلى البيت ، ما تخافوش …..أنا ما تبحرليش!.
إشتريت لهم بيسين بلاستيكية قطرها 5أمتار ووضعتها وسط الدار …. هنا ستبحرون… البحر من ورائهم والحر أمامكم وليس لكم والله إلا الحجر في الدار والإختباء خلف الأسوار، هكذا خطبت فيهم قبل أن أشتري هذه البحيرة المتنقلة … ، وتعال تشوف الهم عندما يبحث عنك حتى في الدار ….صار بيتي قبلة لكل من هب ولا يدب من إخوتي والجيران الذين صاروا يزورونني كالفئران ….في كل وقت يقضون مضجعي عندما أهم بالقيلولة ، فلا تسمع إلا الصياح والنباح والزعيق والنعيق !.
إخوتي وجدوا راحتهم في اليوم الأول فقط ، أما اليوم الثاني فقد تركوا “البحر القصير” لأصحاب الأقدام الطويلة السوداء من سواد العائلة والمقربين والمبعدين ، حتى من كان لا يزورك إلا في الموت جاء يقول لي :”توحشناكم” وجاء ب”كمشة نتع بزوز” وكأنهم درسوا “قلة التربية” في المدرسة!.
في اليوم الرابع بدأت الشكايات والحكايات تصل إلى بيت نومي ، فأنا أصلا خاطيني البحر ، وخاطيني الماء …أنا “بري” ولست لا بحريا ولا برمائيا …..أنا متوحش… خلوي ، صحراوي مترمل …. بدأت أمي تتأفف وتقول لي : “أنا هذيك لا بيسين غادي نثقبها ونسيل دمها قدام اللي يحب واللي ما يحبش …… أنا وليت قرصونة في هاذ الدار ، مش فقط غير يجيو عندي يفوتوا العطلة ويعومو ويبرونزيو ، يزيدوا يدوشوا ويأكلوا ويشربوا ، ويوسخوا لي الطواليت …. أنا راه عندي الأوتيل هنا؟ مركب سياحي؟ ….هذا كله فضلا عن وصول أول مصاب بكورونا من الجيران إلى لابيسين المحلية…
خرجت من بيتي وأنا أزبد وأرعد ، أول من صادفته هو إبن الجيران بياع الكيران ، مسكته من “الكيلوط” وسحبته له نحو الأسفل أمام الذكور والإناث ، تزيد تولي الكيلوط يطير ! ، هيا طير لأمك (وخرج يعوي وسط ضحكات الكل) …دقائق ويدخل إبن الجار الجنب ، إبن قدور بائع البطيخ ، حاملا نظارات قد هاااك وباراصول وسربيتة ونعالة و”لي بالم” والماسك ، تحسب راه عندي المرجان في أعماق البحار ، مسكته هو الآخر من مؤخرة الكيلوط ونظرت فيه بلا صراخ :واش راك رايح تبحر في دار الحاج موح عوم وروح؟ راك تشوف عندي بيسين أولمبياد هنا؟ وإلا عندي “كاب فالكون” أيا طير عند بوك …..
الولد لم يعرف ماذا يقول سيوى قال لي:لا لا خاي ، راني ماشي ، أنا غير يما قالت لي: روح تعوم عند عمك موح ، قلت له: قل لها: عمي موح ما عندهش سفينة نوح….. يا الله عفط خير ما كيلوطك يطير !.
وهو خارج سمعته يقول لفريق عوم آخر قادم من نهاية الزنقة ليعوم عندي :غير وليوا تروحوا ، والله اللي يدخل الكيلوط طار ! وأسمع الأرجل والكلاكيطات تتعثر في الطروطوار هاربين وكأني كنت خلفهم بملقط أنزع عنهم لباسهم ….هربوا كلهم ولم أر أحدا منهم منذ ذلك الوقت ، يبدوا أن الحاضر أعلم الغائب ، والأمر وصل إلى الفايسبوك ، صرت حديث العام والخاص بينهم ، ينكتون وينذرون ويسخرون ممن سحبت من خلفهم أنصاف سراويلهم ، كلفني هذا بطبيعة الحال لوم أبائهم وحتى أمهاتهم ، ولكن ربحت راحتي وصحتي وإخوتي!.
بعد 14يوما من وصول أول مصاب ، كان كل الحي مصابا بالفيروس ، والعدوى جاءت من لابيسين ….الحمد لله نجا كل الإخوة لأنهم تركوا لابيسين للأغيار رغم أنهم أصحاب الدار.

نقلا عن الدكتور : عمار يزلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى