عســلٌ وخَــلٌّ بقلم الشاعر منصور
عســلٌ وخَــلٌّ
=============—————— الشاعر حسن منصور
**********
ما زِلْتُ أمْزِجُ بينَ الخَـــلِّ وَالعَــسَلِ || ولسْتُ أعْلمُ ما في المَزْجِ مِن خَطَلِ
وكانَ أهْلي على هذا الطريقِ مَضَوْا || فـكـيْفَ لا أقْـتَـفــيهـا سُـنَّةَ الأَهِــــلِ
وكانَ لي والِـــدٌ بِالشَّـهْــدِ مُـفْــتَــتِـنٌ || كـعـاشِقٍ بِحَـبـيـبِ العُـمْرِ مُـنْـفَـعِـلِ
حَــلاوَةُ الشَّهْـدِ تُغْــريهِ فَـيَــشْـرَبُــهُ || وَمـا ارْتَـوى مَـرَّةً مِنْ بارِدِ القُـلَـــلِ
وَكُلَّـمــا عَــبَّ مِـنْهُ جــاءَهُ ظَـمَــــأٌ || أَشَـدُّ مِـمّا مَضى، أدْعى إلى العَـلَــلِ
فَـيَـقْـتَـفي أَثـرَ النّحْـلاتِ يَرْصُـدُهـا || لَعَـلُّـه يَجْـتَـني مِنْ شَهـْـدِهـا الخَـضِل
لـمْ يَخْـشَ مِـنْ إبَـرٍ بِالسُّـمِّ تَحْـقِــنُهُ || ولـمْ يُحِـسَّ مِـنَ الـنَّحْـلاتِ بِالْــوَجَــل
وَكان تـفـكـيرُهُ بِالشَّهْـدِ مُـنْـشَغِــلاً || وَكانَ في الـبـيدِ يَمْشي دونَـمــا كَـلَــل
مَـيْـدانُهُ كُلُّ أرْضِ اللهِ يَذْرَعُــــهـا || وَلمْ يُـعِــقْـهُ مَسـيرُ الـوَهْــدِ وَالجَــبَـل
إنْ جَـنَّ لَـيْـلٌ عَـلـيهِ قالَ في ثِقَـةٍ: || سَــيَـطْـلُـعُ البَـدرُ في أَجْـمَــلِ الحُـلَـل
تَراهُ يـبْـحَــثُ دَوْماً عنْ مَواطِنِهـا || وَفِـكْــرُهُ طـافَ بيـنَ اليَـأْسِ وَالأمَــل
وهكـذا الشَّهدُ يُغْـري قَـلبَ ذائِقـِـهِ || ورُبَّمــا صَــدَّه عَــنْ أمْــرِهِ الـجَــلَــل
********
فَــيا لَهُ هـائِماً لمْ يَشْكُ منْ تَعَــبٍ || وَيا لَــهَ عـاشقــاً كـمْ دامَ في شُــغُـــل
ويا لَـهُ صابراً كالصَّقـرِ نظْــرَتُه || وَما اشتكى ألَـماً أوْ خـافَ مِـنْ أَجَـــل
وَيَلْعَـقُ الصَّبْرَ، وَالصّابُ مَـأكَلُـهُ || وَالخَــلُّ في فَــمِـــهِ لا لَــــذَّةُ الْـعَـسَل
وكانَ يَمْـضُـغُـها كالناّرِ يَحْـرِقُهـا || وَكُـلُّـهــا عِــنـْدَهُ مِــنْ ســائِـغِ الأُكُــلِ
سَألـتُهُ: يا أبي كيـفَ السّبـيلُ إلى || عَـيـْشٍ بِلا أَلَـمٍ يَـمْـضي عَــلى مَهَــلِ؟
فقالَ لي: يا بُنَيَّ اسْألْ كَذي حِوَجٍ || وَلا تكُــنْ ساعِــياً لـلـشَّكِّ والـجَـــدَلِ
إِنَّ الحَــياةَ عَــلى ضِـدَّيْنِ قـائِمَـةٌ || شَـهْــدٌ وَخَـــلٌّ مَعــاً دامــا بلا خَـلَــلِ
وَالسُّـمُّ باقٍ مَعَ الـتَّرْياقِ في غُـدَدِ الْأَفْـعى، وَلا تَشْـتَـكي مِنْ لَــوْثَةِ الخَـبَـلِ
وَرُبَّ مَـنْـفَـــعَـةٍ في الـنّارِ كامِـنَـةٌ || فَـالْـكَيُّ يَذْهَبُ بِالأَمْـراضِ وَالْعِـلَــل
وَكـانَ يَرْسُـمُ لي دَرْبي بِـحِـكْـمَـتِهِ || وَصِـيَّةً صُنْـتُـهـا بِالقَـلــبِ وَالمُـقَــلِ
وَالعُـمرُ يُفْـضي بهِ حَتْماً إلى أَجَـلٍ || كَـكُلِّ حَـيٍّ عَـنِ الأحْـبابِ مُـرْتَحِـلِ
********
قَضى أبي حالِماً بِالشَّهْـدِ، مُبْـتسِماً || تَـفــاؤُلاً بِـلِـقــــاءٍ قــادِمٍ عَــجِـــــلِ
قَـضى وَأَوْرَثَـني مـا كانَ يَحْـمِـلُــهُ || وَيا لَهُ مَحْـمَـلاً، يا لي مِـنَ الـثِّقَــلِ!
وفي وَصِـيَّـتِـهِ مَحْـصولُ حِـكْـمَـتِهِ || إِذْ قـالَ لي بِكـلامٍ غَــيْـرِ مُـرْتَـجَــلِ:
هَـذي الحَـياةُ فَعِشْ لا تَـشْكُ مِنْ أَلَمٍ || فَـإِنَّـهُ مِـلْحُــهـا مِنْ ســالِــفِ الأزَلِ
وَدَعْ أُناساً هـم الغــرْبانِ مـا نَعَقوا || إِلا بِشُـؤْمٍ يًســوقُ الْـمَـرْءَ لِـلْــفَـشَـلِ
وَاعْـمَـلْ وَلا تَـتَـذَمَّـرْ دونَمــا كَـلَـلٍ || فَـالْمَـرْءُ لـيْـسَ بِإنْــسانٍ بِلا عَـمَـــلِ
واعْـلَمْ بِأَنَّكَ ضَيْفٌ لا شَكَّ مُرْتـحِلٌ || ماضٍ مَعَ الرَّكْبِ، مَعْ أَجْدادِنا الْأُوَلِ
فَعِـشْ بِها مازِجـاً خَــلّاً مَعَ العَـسَلِ || وَلا تَقُلْ كيْفَ هذا المَزْجُ يَصْلُـحُ لي
فَالعَيْـشُ لـيْسَ لـهُ معْـنىً بِدونِـهِـمـا || كَـقِـصَّةٍ مُحْـتَـواهـا غَـيْـرُ مُكْـتَـمِــل
بِذا قَـضَـتْ حِـكْـمَـةُ اللهِ وَقُــدْرَتُـهُ || وَهَــيَّأَتْ لِـقَـضــاهــا سـائِرَ السُّـــبُـلِ
وَهَــذِهِ هِـيَ دُنْيــانـا وَفِــطْــرَتُـــنـا || وَلا يُكـابِـرُ فـيهـا غَــيْـرُ ذي حَـــوَلِ
ولَنْ يُـغَــيِّرَهــا مَـنْ كانَ يُـنْكِـرُهـا || ولنْ تُـؤَثِّـرَ فــيهـا أمْـهَــــرُ الحِـــيَـلِ
********************************************************
الشاعر حسن منصور
من المجموعة الثالثة عشرة (ص26)