المقال
الفقدان بقلم: “جيهان هادفي”
الفقدان
مازلت أستشعر جيدا تلك اللحظات الأخيرة التي عشتها في أحضان أمي..أتذكر جيدا مكالمتها الأخيرة لأبي :” أولادي”..”أولادي” بنظرة صامتة متأسفة علۍ أحوالنا , كان كل تفكيرها في ماذا سيحدث في فلذات كبدها , كانت حروفها الأخيرة تنطق إلا بأسمائنا واحدا تلو الأخر , طلبت مني قبل سويعات قليلة أن أجلس بجانبها وفقط , مسكت يديها بحرقة غائب ولن يعود , بحرقة كاذب يستسلم للأقدار,بحرقة مجبر ليس له خيار
“أنا وأمي وغرفة المستشفۍ” كنا لوحدنا وفقط ..نحتضر معا ونودع بعضنا البعض , كانت أمي تفقد الوعي شيئا فشيئا وأنا متكئة علۍ صدرها واضعة يديها الباردتين فوق رأسي المحترق لعلها تطفئني بسلام التقبل ,أنظر إلۍ أمي حينا وأقبلها في الحين الأخر , أقبل عينها اليمنۍ ثم اليسرۍ أقبل أنفها ببطئ ثم أنتقل إلۍ أذنها كنت مسرعة في ذلك كثيرا وتمنيت أن أستطيع تقبيل وجهها بأكمله في ٱن واحد ..كنت أشتم رائحتها وأستشعر بأنها الأولۍ وهي الأخيرة ..كنت أنام في حضنها قليلا وأنظر لها طويلا وأقبلها كثيرا ولكنني لم أبك هناك البتة لأنني كنت مع أمي , فكيف نبكي ونحن معا , سأبكي كثيرا عندما تصدمني ” الوحدة” وأعود وحيدة..أنا لا أتذكر فقط بل أستشعر جيدا مرارة كل موقف عدنا في سيارة إسعاف ولكننا لم نعود جالسين معا كالعادة بل أنا الجالسة المصدومة وأمي بجانبي في صندوق منحوت بنجمة وهلال سوداوين عليهما قفل كبير يرفعان معي علم ” الحداد الأبدي”..