المقال
اشكالية التناقض بين الفكر والسلوك المجتمعي وازدواجيــة الهويــة الانشطارية بقلم: “لميــــاء بودوخــــة”
اشكالية التناقض بين الفكر والسلوك المجتمعي
وازدواجيــة الهويــة الانشطارية
بقلم الشاعرة والاديبة
لميــــاء بودوخــــة
مما لا شك فيه ان البيئة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في خلق وتنمية الشخصية الانسانية وفي حياة كل فرد ، ويظهر ذلك جليا لا يقبل اللبس في التأثير علة الجانب السلوكي والفكري للفرد والجماعة ككل .
وتعتبر الاسرة او العائلة اللبنة الاولى ونواة تكوين المجتمعات ، ومصدر التأثير الاول على الفكر والسلوك عند الطفل ، من خلال ترسيخ ثقافة الحوار وتبادل الآراء والانفتاح الفكري على الآخر .
وحقيقة الامر ان الفكر والسلوك امران مرتبطان ببعض ارتباطا اجتماعيا عميقا ، واي اختلال او تناقض بين الاثنين ينتج عنه تناقضا نفسيا واجتماعيا قد يصل الى المرض النفسي والاجتماعي لدى الفرد والمجتمع ككل .
وفي هذا السياق يؤكد علماء الاجتماع على ان مرحلة الطفولة هي المرحلة الاكثر تأثرا بالماحول ، وخاصة ما يختزنه في ذاكرته من ظواهر السلوك والاختلاف بين الاقوال والافعال وبين الافكار التي يتلقاها من والديه او المحيطين به ، وهذا التناقض الذي يلمسه ويعيشه ويختزنه في اعماقه له آثاره في اضطرابه النفسي وفقدان القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب وانعدام استقراره الفكري والتشظي السلوكي .
من جملة الاخطاء التربوية وما يمكن ان نطلق عليه بالفصام الفكري في التربية ، حجم التناقض في التصرفات والاقوال والافعال وخاصة في مراحل الطفولة المتقدمة معاملة الاناث عند تكليفهم ببعض الاعمال المنزلية بحجة انهم كبروا وصار لزاما ان يتقنوا بعض الاعمال المنزلية ، وفي ذات الوقت يتم نهرهن وابعادهن عن المشاركة في امور عديدة بحجة انهن لا زلن صغارا .. وكذا النسبة للذكور الصغار .. ممنوع او عيب عليك تبكي وتشكي انت رجل والرجال لا تبكي .. وفي ذات الوقت ومع تفاصيل اخرى ، انت لا زلت صغيرا ، لا تحشر نفسك بين الكبار ..
هذه بعض الاخطاء التربوية في داخل نواة المجتمع الاولى ، ناهيك عن التناقض فيما يكتسبه من افكار وعادات ومأثورات عن الوالدين وما يعقده في اعماقه من تناقض سلوكي لوالديه ينافي ما اكتسبه منه ..
فالتناقض بين القول والفعل عند الوالدين يعد الخطر المدمر لنفسية الطفل والمؤثر الاساس في تناقضاته السلوكية وهشاشة شخصيته .
وهذا ينعكس على المجتمع برمّته ، وهذا ايضا ما نجده كثيرا بين اوساط المجتمع سواء بين الافراد محدودي التعليم والثقافة وبين الاوساط العلمية والثقافية والسياسية وغيرها من الفئات المتقدمة والنخبوية .
والاشكالية هنا : التناقض بين الفكر والسلوك !!!
الفصام السلوكي والفكري والاجتماعي يكاد يكون الظاهرة الابرز في المجتمعات العربية بل يكاد يكون العاكس الحقيقي لمقياس الفكر السليم عن الفكر المكتسب السقيم ، فالسلوك الذي لا يمثل ويعكس الفكر يعني بالحقيقة اختلال النفسية والشخصية عن الانسان ويعني كتحصيل حاصل تناقض بيّن بين السلوك والافكار والثقافات .. قد نجد استاذا معلما يحمل افكارا نيرة ينقلها لتلامذته وقد تكون من المثالية بمكان ، لكن نجد سلوكه يناقض افكاره ومثالياته وفضائله تماما ،
هذا التناقض انما مرجعه لعوامل اجتماعية محيطة به اسهمت بشكل فاعل في تكوين هذه الشخصية الازدواجية والفصام الشخصي ، وبالتالي الى تأثره بالسلوك المكتسب وبسبب التركيز على تنمية الافكار والثقافات والتطوير على حساب آليته السلوكية والتي كانت لبنتها الاساس هي العائلة وما يحيطه من مجتمع مصغر .
ولا شك ان السلوك البشري يعني جميع الانشطة الذهنية والعقلية الصادرة عن الانسان سواء كانت شعورية او لا شعورية ..تحركها قوتين مؤثرتين هما الانفعالات المنعسكة والدوافع .
وفي هذا الموضوع العميق الشائك يقول الدكتور الفيلسوف والمفكر علي الوردي في كتابه ( مهزلة العقل البشري ) : (( ان شخصية الانسان تتركب من ثلاثة عناصر رئيسية وهي :
المظهر : والذي يعنى بشكل الانسان ومميزاته العامة المادية والسلطوية .
الجوهر : والذي ينشأ من عاملين اساسيين هما ( الادراك او العقل ) و ( الاحساس) او ما نسميه بالعاطفة وهذان العاملان يتأثران بفعلين رئيسيين هما فعل الوراثة وفعل المحيط الخارجي .
الاستجابة او التصرف : وهو ما نعني به المحصلة النهائية في توافق العقل مع النفس والتي تترجم بتصرفات المرء بأفعاله واقواله وسلوكياته اي ان كل تصرف يصدر عن الانسان هو عبارة عن قرار نهائي اشترك في صنعه ادراك المرء واحساسه .
وهكذا فأن موقع ازدواج الشخصية في مركب شخصية الانسان تقع في منطقة الجوهر اي منطقة الادراك والاحساس لانهما العنصران الحقيقيان في تركيب الشخصية ، وليس ما يتمثله الانسان في زيف افكاره وشخصيته وهشاشة جوهره .