ماكاريا ..مجموعة قصصيّة للقاصّة سلوى البحري
بين السعادة و الحزن ..صراع لا هوادة فيه.
سأحاول بإذن الله تعالى أن أهتدي إلى العنصر المشترك بين عناوين و موضوعات هذه المجموعة القصصيّة أي الوقوف على روح ماكاريا ..
القصّة الأولى : غيمة لا تمطر..
لا أدري هل هي غمامة صيف عابرة تجمّعت ثمّ افترقت ..جرّت إليها حزنا من بعد فرحة أمل..لكنّ سنن الله لا تتخلّف و الغيمة متى وجدت كان معا المطر و الغيث ..فما حال غيمتنا هذه لا تمطر ؟ طبعا فالإجابة بين ثنايا حروف هذه الغيمة غير الماطرة ..نكّرت القاصّة العنوان ليدلّ على خصوصيّة غيمتها ثمّ جعلت من العنوان طباقا مقصودا ليضيف موسيقاه الداخلية لتتمايز الأشياء أولا و لإحداث الدّهشة ثانيا ثم آثرت النفي بلا موظّفة للفعل المضارع ليفيد استحالة إمطار هذه الغيمة الآن و في المستقبل…و هذا فن ساحر و براعة استهلال تغري القارئ لمحاولة فكّ شفرات هذا النّص المتناقض المحفّز.
من غير مقدّمات أوليّة تشويقيّة تقحمنا القاصة سلوى البحريني في عالم “ساجدة” هذا العالم الذي أبى إلاّ أن يتلوّن برداء الليل و يتزمل بلحاف الظلام ..هذا العالم الفسيح اللامتناهي الذي يخفي الكثير من المفاجآت و يضمّ في عوالمه الكثير من الأرواح الهاربة و النّفوس المتمرّدة و الأشباح المخيفة ..
“ساجدة” هذا الاسم الذي يوحي بطبيعة الشخص الذي يحمله ذلك لما يحمله معنى السجود من الرضى و الشكر و تضحية و البذل..تلك المعاني الفطرية الطبيعية تدفع “ساجدة” دفعا نحو نافذة النّور لأنّها روح إنّما خُلقت لتتنفسّس الأنوار و تسيح في مقاماتها الزاهرة المزهة..نافذة من نور صغيرة قد تخرجها كليّا من قطع الظلام المتراكمة لكن سرعان ما يقاطعها صوت خافت فتسرع من جديد إلى إحكام غلق تلك النافذة /النو لتلج مرة أخرى عالمها المعتم الخفيّ المعالم الرّحب اللامتناهي..
و “ساجدة” مثال الفتاة المتعلّمة الحازمة متأرجحة بين دفتي ميزان العلم و العمل ..هذه الثنائية التي اختارتها لتحقيق ما ترغب فيه من آمال و قد وفقت و حققت الكثير الكثير من النّجاحات..
و كم ضحّت من سنين عمرها من أجل هدفها المنشود حتى أنّها بلغت عتبة العنوسة كعربون لنجاحاتها و مثابرتها و عزيمتها لكن عيون النّاس و ألسنتهم السليطة تتجاهل الجميل و الأجمل و لا تلتفت إلأا لما يشين و ينقص و يذم..إنّها شبح العنوسة ..هذا الوحش المخيف المرعب بجيوشه الجرّارة الزاحفة التي لا تعرف الرّحمة و لا الشفقة أو هكذا يعتقد ضعاف القلوب و أصحاب النفوس المريضةو العقول الناقصة.
و تحت وطأة تأوّهات والدها المريض و شدّة ضربات المتربصين الساخرين تضطر إلى لأن تزفّ كعروس لأستاذ يكبرها بعقدين كاملين و لتكتشف ليلة البناء بأنّه مريض بنقص المناعة “الإيدز” لتخرج من عالمها المعتم إلى عوالم أرحب و أكثر سوداوية ..و ها هي المسكينة و قد أضاعت أجزاء حاسمة من حياتها التّعيسة السّابقة لتدخل ديجور قصر عاجيّ مظلم دامس و إلى الأبد..
و تخيّل معي أخي القارئ مدى الأحزان التي أطبقت على قلب فتاة عانس لتجد نفسها في سجن أشد قسوة من العنوسة بل لا تمثّل فيه العنوسة إلا نقطة مظلمة ليس إلا..
نعم فالمسكينة قد أذعنت لحكم الواقع و مطرقة المجتمع لكنها في المقابل خسرت كلّ شيء بل كلّ إحساس بطبيعة الحياة و الشعور بمتعها و زخرفها….كم شهوة أذهبت شهوات بل إنّ عشرا من السّعادة نحياه أفضل بكثير من تسعة أعشار حزن ممتد رابض…
بولمدايس عبد المالك
تونس في 24/012/2021