المقال
ظاهـرة التـحرش الالكترونــي اسـبابه وآثـاره بقلـــم: “لميــاء بودوخــة”
ظاهـرة التـحرش الالكترونــي
اسـبابه وآثـاره
بقلـــم
الشــاعرة والاديبة
لميــاء بودوخــة
تعد ظاهرة التحرش من الظواهر الاجتماعية والسلوكية المتعددة الاوجه والاشكال ، واختلاف الطرق والاساليب في شتى بقاع الارض وتسود المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء ..
والتحرش بأبسط مفاهيمه هو كل فعل او تصرف او كلام او ايماءة يقوم به المتحرش ازاء المتحرش به بغض النظر عن جنسه وعمره بقصد النيل او الاساءة النفسية والجسدية ..
وظاهرة التحرش الالكتروني والانترنت وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وبمختلف برامجه ومسمياته وانواعه ظاهرة حديثة برزت بشكل كبير مع ازدياد نسبة التعامل واستخدام هذه التقنية العالمية ، وهي لا تقل ابدا عن ظاهرة التحرش المباشر في الشوارع والطرقات ولا تقل عنها اساءة وعنفا وانتهاكا للحرية الشخصية وللإنسان وعلى وجه الخصوص المرأة والطفل .. رغم التباعد في المدن والدول ايضا ..
وقد تأخذ اشكالا متعددة منها التهديد والابتزاز والترهيب بغية الحصول على مكاسب مادية ، او تهديد مقابل الحصول على المبتغى المرجو .. كما لا يسلم من آثار هذه الظاهرة الرجال ايضا ولكن بنسبة متباينة اقل مما تتعرض له المرأة والطفل ..
ومما يتبادر الى الاذهان ان ظاهرة التحرش تعني الاساءة الفعلية واللفظية التي تحدث في الشوارع وغيرها من الاماكن ، غير مدركين ان التحرش الالكتروني لا يقل وحشية وانتهاكا وعنفا عن الاول ، ومن صور التحرش وقد يستخف به البعض ظاهرة التعليقات والتنمر وكذلك في انتهاك الحرمات الشخصية عبر غرف المحادثات الخاصة دون اذن صاحبها بغية التعارف او التحايل باحاديث لا معنى لها بغية اشباع حاجات ورغبات نفسية وعاطفية او الايقاع بالضحية بطريقة او بأخرى ، ولا يقتصر هذا على سنٍّ معينة سواء كان المتحرش مراهقا او شابا يافعا او رجلا كهلا ، كما لا يختص بالمكانة الاجتماعية او الثقافية او العلمية .. ويرجع ذلك لأسباب ودوافع عديدة منها ان الشاشة الزرقاء تعطي غطاءً للمتحرش للتعبير بغير حرج عن سلوكياته ورغباته التي قد لا يستطيع التصريح بها في العلن ويرجع ذلك لعوامل نفسية واجتماعية عديدة .
في هذا الصدد يقول الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة :
(( ان الفراغ من اهم اسباب الشباب الى العبث على مواقع التواصل الاجتماعي بالاضافة الى الكبت الجنسي الذي يمر به الشباب …. وان التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي اسهل الطرق التي تشبع رغبات الفرد ، موضحا ان الحالة الاجتماعية والاقتصادية تؤثر على سلوكيات الشباب )) .
لكن في حقيقة الامر ومن خلال العديد من الدراسات التي تعنى برصد هذه الظاهرة ان هذه الظاهرة لا تعني الشباب فقط وانما تتعدى لأعمار متقدمة ولها مكانات اجتماعية وعلمية واقتصادية ايضا اسوة بالشباب ،
من هنا نستطيع القول والترجيح الى احد اسباب هذه الظاهرة هو الكبت العاطفي والشعور بالنقص ، كما انه يوفر المناخ الملائم للتنفيس عن هذا الشعور دون الشعور بالحرج من المواجهة .. اضافة لكونه شعور بالنقص وتعبير صريح عن سلوكية الشخصية الحقيقية ليست تلك التي يتظاهر بها المتحرش ..
يقول علماء النفس الذين ارجعوا اسباب هذه الظاهرة الى الثقافة الذكورية في المجتمعات ان هناك اسباب نفسية واجتماعية اخرى ايضا منها
*الاضطراب السلوكي للمتحرش : باعتباره ليس مريضا نفسيا وانما يعبر عن سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره او مستواه الاجتماعي والثقافي بل هو شخص مدرك لافعاله لكنه يعاني خللاً يجعله يتصرف بعنف تجاه الاخرين .
*التربية غير السليمة .. والتي تعكس هوية وسلوكية المتحرش وطبيعة التربية الاسرية والبيئة التي نشأ فيها وقد يكون شخصا انطوائيا يعجز عن التعبير عن مشاعره المختلفة منذ طفولته ونشأته .
*الشعور بالانكسار والنقص والاحباط والتي تجعل منه شخصا عدوانيا يتلذذ بالتعنيف والعنف تجاه الاخرين .
*توطئ المجتمع .. ويلعب هذا دورا كبيرا في مؤآزرة المتحرش باعتباره مجتمعا ذكوريا يحاول بشتى الطرق الصاق التهم بالمرأة وحسب ثقافة المجتمع واعرافه وتقاليده وفي هذا الحال تكون المرأة هي ضحية المتحرش والنظرة المجتمعية ايضا والذي يؤدي بالمرأة الى الصمت خوفا من حكم المجتمع مقرونا بخوفها من المتحرش ايضا .
كما ان المرأة تعاني من ظاهرة التحرش الالكتروني بنسبة كبيرة وعالية من خلال انتهاك حرمة حقها الشخصي في غرف المحادثة دون الاستئذان منها بغية قضاء الوقت والدردشة بلا معنى وبغير ضرورة والتي تكون اول الطرق لجر الضحية لمغامرة عاطفية او سدا لشعور بالنقص والفراغ العاطفي لدى المتحرش .. وكل ما جاء ذكره على سبيل الذكر لا الحصر يرجع ايضا لانعدام الوعي الديني والشعور بالفراغ وتقليدا للغرب من حيث الانفتاح الجنسي وكذلك الابتعاد عن القيم والاعراف والتقاليد والاخلاق العربية والاسلامية ..
ان هذه الظاهرة والتي تترك اثارا نفسية واجتماعية وشخصية سيئة لدى ضحاياها وقد تدفع البعض للانتحار تعتبر من الجرائم التي يحاسب عليها القانون حتى وان لم تأخذ مساحتها الفعلية لكن القانون وفي العديد من الدول العربية والعالمية نص على تجريم المتحرش بالسجن وبغرامات مالية كبيرة نظرا لآثاره النفسية والصحية والاجتماعية السيئة على الضحايا ..