إشراقات أدبيةالمقال

سوالف بقلم المبدع عيسى الشيخ حسن

تلحّ عليّ منذ أيّام صورة الإنسان الأوّل خارجًا من الكهف، صبيحة يومٍ بارد، رفقة رمحه، باحثًا عن “رزقه” في الغابة.
أتصوّر شعور زوجته المشفقة عليه ألّا يعود، ففي الطريق وفي الغابة وحوش لا ترحم، فإن ظفر بصيد، فما أدراك أن يعود إلى بيته “صاغ سليم”؟
.
حين عرف الإنسان الزراعة، تراجع خوف الزوجات، لأن طريق الصيد بات أمام عينيها، فتخرج الأسرة جميعها، يصيدون حبّات البطاطا وسنابل الحبّ، بأدوات صيد جديدة. وكانت “القرية”.
.
لكنّ المدينة ليست “القرية” المدينة استعادة للغابة، فالمكان الذي لا ترافقك فيه عائلتك إلى الصيد هي “غابة” حيث قلق الانتظار، وخوف الوحوش.
.
في مرحلتي “الزراعة” و”الرعي” تحقّق مبدأ اللعب الجماعي -أقصد لعمل الجماعي- ولهذا ستظلّان مثار الحنين الجمعي؛ ولهذا اخترع أبناء الغابة الجديدة “المدينة” لعبة “الرحلة” لأيقاظ هذا الحنين، أو “لسدّه”.
.
حين يتأخّر أبي في “البلد” -هكذا كنّا نسمّي القامشلي- تقلق أمّي، ونضع كثيرًا من السيناريوهات المرعبة، فنخرج من كهفنا الصغير منتظرين الطريق الآتي من الغابة.
يعود الآباء إلى القرى التي لم تغنِ عن الغابة، يحملون على ظهرورهم أكياسًا بيضاء -من فوارغ أكياس الطحين- ليس على ظهورهم تمامًا، بل قريبًا من أكتافهم، ما يحوّلهم إلى جِمال، بحدبات متحرّكة، وهذا ما يمنح وصف الرجال بالجِمال سببًا آخر (لديّ على الأقلّ). النساء العائدات من المدينة يكوّرن الأغراض، أو يضعنها فوق رؤوسهنّ. تمتلك النساء خيارًا أكبر، بين “الناقة” أو الهودج.
.
ألفة الغابة مرض، مرض الطمأنينة من أنّ الوحوش لن تصادفك في المدينة. الذين ألفوا المدن، يخافون من القرى، القرى التي تنتج الحنطة، والضحايا الوافدة إلى غابات الحداثة بابتسامة عريضة.
_______
سوالف1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى