إشراقات أدبيةالقصة

الليلة يجيء الحطابة بقلم أحمد طالب بطمة

العنوان: الليلة يجيء الحطابة
بقلم : أحمد طالب بطمة

نوار اللوز أزهر قبل أوانه من دفئها اللامعتاد، وقد كانت شتاءاتها حبلى بالبياض.
بحي الزهور المزينة أزقته بنبات الطرفة المؤدي إلى راس العين ذاك المنبع العذب بمحاذاة الواد المدسوس شريان الطبيعة العذراء والحقول الغناء والبساتين الفيحاء ورياض الفلاحة والروابي.
كان خريفا ينذر بالعاصفة تعرت له أشجار الرمان المعطاءة.
على مدخل الحي احتشد قطيع الماعز من كل زريبة وصوب على موعدهم مع الراعي وقت طلوع الشمس.
جدّ الساكنة في تخزين المؤن…موسم تكتظ فيه رحاية المروكي يكيلون الحنطة والدقيق.
ويتزودون للصقيع من الكليلة والشحم والهرماس.
فيما أوشكت النسّاجات على إتمام الزرابي والأفرشة والكساء.
سرعان ما أفشى السحاب المثقل بحمله، أنعشت أولى حبات البَرَدِ أفئدة الظمأى…وطربت لغزارة الثلج المتساقط نفوس الكبار قبل الصغار.
بينهم والثلــج عهد قديم، ما نقضته السنون الطوال
كلما ضاق به الفضــــــاء، اتسعت له تلك التـــلال
يحل أهـــــــلا ويزور غبًّا، يذوق المردود يعجبو الحال

بين حبات وحبات سر راحت تفكّكه أكف الفضليات
الثلج والمردود، الذي اجتمع حوله الناس يجودون به لكي لا يجوع أحد مقيما كان أو عابرا.
قال أحدهم: الله يخلف … ماتنساوش الليلة يجيء الحطابة.
تهلل السامعون لهذا الخبر.
هرع كل صاحب مجرفة (مولى البالة) لفك العزلة وإزالة الثلج عن المساكن والطرق…كأنما هم كاسحات جليد بشرية.
طال زمن العاصفة في فصل النعامة حسب التقويم المحلي، ليلتها أبى صاحب الحانوت إلا أن يسهر لوقت متأخر كيما يتزود الجيران من الشمع والكاربيل وغاز الفرن،
أقبل الحطابة بجنح الليل، خلسة عن أعوان الغابات، تكفل أطفال الحي بحراسة الحمير، فيما انهمك الجيران في اقتسام الحطب بالسرڨ المكوّن من حزمتين، تاركين لمعلم القرآن حقه بالمجان.
يطيب السمر على جمرات الكروش التي كانت تتقد داخل الموقد الوحيد وقد اجتمعت حوله العائلة الكبيرة.
يتدفؤون بالتناوب ويتنافسون في فك أحجيات الجد وألغازه.
ويستعيدون من خلال حكاياته أمجاد الثوار إبان حرب التحرير. ينام عليها الأطفال ويستيقظون على فرح منقوص الدراسة مؤجلة لكن معلم القرآن ينتظر قدومهم في كتّاب الحي… يشعلون له المجامر للتدفئة ويتحينون موعد الفطور مما تجود به عوائل الحي.
ما أن يفرغوا من سويعات الدرس تراهم يهرعون من منازلهم نحو الفرّان محمّلين بالخبز لطهيه في المخبزة وقد شحّت في البيوت مادة الحطب.

كان الشتاء وكانت تلكم عوائده، لكن نوار اللوز أزهر قبل أوانه من دفئها اللامعتاد.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى