أخبار أدبيةإشراقات أدبيةالقصةقراءات نقدية

قراءة في مجموعة قصصية_لعنة ينار للكاتبة رانيا بوراس

<span;> وأنا أتجول في إحدى المكتبات بولاية سطيف جذبني كتاب  بعنوان ” لعنة ينار ” فراحت عيني تقلب صفحاته:  هي مجموعة قصصية صدرت مؤخرا عن دار أيوش للطباعة والنشر والتوزيع / بالجزائر _جيجل. تقع  في 90صفحة عن الحجم الصغير صمم غلافها أحمد الشافعي ، تحتوي المجموعة على 7 قصص وتندرج من ضمن القصص القصيرة وبعض الخواطر الجميلة.
<span;>وبصدفة قرأت اسمها فاشتريت المجموعة  وقمت بقراءتها ومنذ ذلك الوقت أصبحت دؤوبة  على متابعة كتاباتها.
<span;>كما أنها استطاعت أن تحتل مكانتها في الساحة الأدبية وأن تسجل حضورا قويا في الجزائر وفي الوطن العربي ككل من خلال كتاباتها  وعباراتها المتنوعة وحروفها الضائجة التي سحرت أعين القراء و النقاد  ، أيتها المبدعة مجموعتك جعلتني أغرق في بحار لا منتهية لا أعرف طريق التوقف ولا العودة ولا أعرف النهاية،   وما جذبني في المجموعة هو التلاعب بدلالة الألوان حيث وفقت الكاتبة في اختيار الغلاف بما أنه يعتبر أول عتبة نعبرها قبل الدخول إلى العالم الداخلي أو إلى عتبة البيت فهو الوجه الذي يطالعنا ويقابلنا قبل السفر بين طيات وعتبات الصفحات.
<span;>فاختارت  اللون الأسود الذي عمل على امتصاص ألوان الطيف تماما، مما يعطي غموض و تميز كما أنه يخلق تصورا من الثقل و الجدية و الشموخ والعزيمة و الرغبة ، وفي الوقت ذاته يرمز إلى الحزن و  الاكتئاب والموت والشر،
<span;>وبالمقابل نجد  اللون الأخضر الذي يرتبط بمشاعر الحسد و الخيانة في بعض الثقافات و اللون البرتقالي الذي يبث الدفء و الحنان ، كانت عناصر الغلاف متكاملة وذات منافذ تستبطن أحداث القصص.
<span;>كما وفقت  الكاتبة في وسم مجموعتها بهذا العنوان _ لعنة ينار _ لإشارته بخيط دقيق يربط بين قصص المجموعة أو معظمها ،
<span;>باعتبار العنوان المفتاح الأساسي الذي يتسلح به القارئ للغوص في أعماق المحيطات الإبداعية، حيث يحظى دوما بالاهتمام الملحوظ على مستوى الإبداع و التحليل و التلقي،
<span;>(اللعنة )مصطلح يشير إلى الرغبة بإلحاق الضرر من قبل أي قوى خارقة للطبيعة ، و اللعنات هي تعاويذ سحرية تُلقى على الآخرين بهدف إيذائهم بشكل أو آخر.
<span;>و تقصد الكاتبة باللعنة هي أي رجل يقترب منها تجعله يغرق في هواها ويسبح في شرايين عشقها  ولا يستطيع الابتعاد عنها .
<span;>أما اسم (ينار) فهو من أصل يوناني يطلق على الإناث مأخوذ من اسم ألينا و يعني المرأة الجميلة و له معنى آخر و هو بريق الشمس و كذلك  هو عكس كلمة رانيا باللغة الأجنبية (وهو اسم الكاتبة)
<span;>عزفت المبدعة على أوتار الحروف و كلمات الإبداع وأساليب الرقي و أحاسيس الجمال إلى جانب تمرد القلب على العقل وجعلت لإبداعها لون  و طعم خاص بها . </span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;></span;>

<span;>قصة(  لعنة ينار) هي أول قصة في المجموعة و التي تحمل العنوان المثير للجدل ، لها طابع فريد من نوعه فيه كثير من الترميز و التلغيز .
<span;>بدأت القصة بداية مشوقة مع فتاة عشرينية ذات طباع ملفتة للانتباه ، وأسلوب رفيع يدغدغ العقول ويتمرد على القلوب كما ورد في لسان الكاتبة : “….هي ذوق رفيع ومعرفة واسعة …إدمان وفراغ عند قراءة أول سطر عنها ….هي شخصية مجهولة في حلم منسي….”
<span;>هي فتاة لعنتها قائمة تسير فوق هواها  تقوم بنخر قلوب الرجال فتصير قلوبهم راكضة بحثا عن حبها ،
<span;> صورت الكاتبة وقائع ضحايا العشق التي بقيت راسخة في الذاكرة و قلوب العشاق
<span;>: الضحية رقم 01 </span;></span;></span;></span;></span;>

<span;>ابن خالتها : وتمثل مأساة شاب ينتمي إلى عائلة بسيطة كل همه أن يحظى  بها مما أدى في نهاية القصة إلى الهجرة من بلده بحثا عن نسيانها …. كما قالت الكاتبة ” اختار أن يخترق البحر ويكمل ما تبقى من بقاياه في شوارع باريس” ..
<span;>: الضحية رقم 02: </span;></span;>

<span;>شاب فائق الجمال وهو صديقها في الدراسة وقعته في حبها من أول نظرة  وبعد شهور معدودة انسحبت وتركته يصارع آلام العشق بأقراص مهلوسة و عاهرات عارية كما قالت _ “…وهكذا أكمل المسكين حياته بين العاهرات وبين دواء يجعله يطير إلى عالم النسيان”.
<span;>وتستمر الكاتبة بتعذيب أكثر من 102 ضحية بدون رحمة ولا شفقة  كما قالت كذلك :
<span;>”…الضحية رقم 102 يسألها:
<span;>هل كان النسيان صعبا ؟
<span;>أجابت : لا وجود للعشق.” </span;></span;></span;></span;></span;>

<span;>و يتبين لنا أن شخصية ينار هي أكثر الشخصيات حظا و اهتماما  من طرف الكاتبة ، هي الشخصية المحورية التي تحمل على مستوى التسمية و التعيين .
<span;>وأغادر القطار مع كافة المسافرين لأجد نفسي في محطة جديدة تحت عنوان : (جبروت امرأة شرقية)
<span;>قصة فتاة بعمر الزهور حاصرتها الدنيا من كل الجهات ، مسجونة في قفص العادات و التقاليد الشرقية أسيرة في نفق الوحدة و مع كل هذه الصعاب بقيت صامدة بكل ثبات و قوة … فتقول :”…  أسيرة في نفق الوحدة تعيش حكاية عذاب أليم مع احتقار للكرامة وتزييف للحقيقة و قليل من الذل ….”
<span;>سار بها قطار عمرها ولم يتوقف عند محطة واحدة حيث أنها قلبت الموازين و تحدت الزمن وأرادت العيش بسلام بعيدة عن أنظار  المجتمع الشرقي المتخلف و عاداته السيئة…
<span;>و تصفها أيضا وتقول : “….هذا الصمت المكبل بالحزن الذي دام أعواما أخذها إلى عوالم خفية مليئة بأفكار طاغية ، أرادت أن تحدد خطاها فإما الهزيمة حد الموت أو الانتصار حد النخاع ….”.
<span;> وفي آخر القصة تظهر الكاتبة القوة الحقيقية و العزيمة القوية التي تمتلكها المرأة الشرقية فقد أصبحت امرأة مجتمع مثقفة ونالت الشهرة في تخصصها و تزوجت من حب حياتها.
<span;>و تقول في موضع آخر : ” ….دخلت امرأة في الثلاثين من عمرها بكعب عال و أرجل بيضاء ناصعة كالثلج و شفاه وردية كورد الربيع المتفتح إلى شركتها و كل العيون تحدق بها ثم سمعت صوتا بعيدا ينادي :
<span;>ماما ماما ينار …التفتت إلى الوراء فوجدت ابنتها الصغيرة

وفي قصة ( العشق المقدس )>راحت تتحدث عن فتاة بارعة الجمال تعتمد على مرونة ذهنها
<span;>و سعة ثقافتها وجمال وجهها و رقة ابتسامتها وحقارة مشاعرها المزيفة للعب بمشاعر الشباب ،و كانت فريستها هذه المرة الشاب ريان الذي يشبه أبطال القصص التي تتخيلهم في قصصهالعبت بمشاعره وقهقهت لحبه العفيف وجعلته يعيش وجع الموت بدل المرة ألف مرة.
<span;>كما جاء على لسان القاصة : ” ….جعلت الدم يتدفق في شرايينه حارا و كأنها تسكب الوقود في قلبه و تشعله بعود كبريت ، كان عشقها المدنس كحكاية القرشيين مع أصنامهم ، كانوا يصنعونها من تمر ، يعبدونها وجه النهار و يأكلونها آناء الليل “.

ومع قصة (خطوة للمجهول)
>: تدور أحداث القصة عن عجوز ترتدي ثياب مزركشة تدعو إلى الحزن والعذاب ، مشت بها قاطرة الزمن ورمتها في أحضان شيخ قبيح الوجه ناكر  للجميل جعلها تتمنى الموت ولو بعد حين كما قالت : “…. أحست أنها ميتة ولكنها لم تمت ليتها ماتت قبل هذا وكانت شيئا منسيا …”  وفي نهاية القصة تفاجئنا الكاتبة انه مجرد كابوس. >

>قصة (جريمة الكترونية ) و (لهفة انتظار)
تتحدث عن فتاة أرهقتها متاعب الحياة كانت جالسة تحاور في صمت مشاعرها العاتية حتى مشت بها قاطرة العشق وتعرفت على شاب أخرجها من متاهات المجهول.

وفي قصة(تهمة عجوز)
تدور أحداث القصة حول بنت واقعها دمر الأجيال بنت حسناء أمنياتها و طموحها أن تنجح في دراستها و تصير من نخبة المهندسين زاحفة على جرحها و غارقة في أحلامها المنسية
حتى صادفت العجوز،  أحبته من أول نظرة تعلقت به حد النخاع أما حبه لها كان كاذبا لعب بحبها العفيف و سخر من مشاعرها الصادقة وفي الأخير ادخلها إلى عالم السيدا
كما قالت الكاتبة : ” جاء الصبح …تفتح عينيها فتجد ورقة حمراء تدل على رسالة صماء …شكرا على الليلة الممتعة …وأهلا وسهلا بك في عالم السيدا….”

كتبت الكاتبة  مواضيع ربما لم تخطر على بال القارئ، فكرة بسيطة مع قليل من الإبداع  سجلتها و تخيّلت لها حدث و عقدة تحضر فيها قضايا اجتماعية مثل الخيانة و النفاق  و اللعب بالمشاعر و  تدمير  العلاقات العائلية وغيرها  و تحضر فيها أيضا قضايا فلسفية  مثل كيفية الهروب من الواقع المرير و تغير الأقدار.
تنهي الكاتبة بعض العبارات من  قصص المجموعة بنقطتين متتاليين، وأحيانًا بثلاثِ نقاطٍ بدلًا من نقطة الانتهاء الواحدة  ….ربما لجعل القارئ يفكر و يخمن  في نهايات أحداث القصة.
وقد راوحت الكاتبة بين الأفعال الماضية والمضارعة، حيث كانت تهتم باستخدام صيغة المضارع في الحديث عن المشاعر، والأحاسيس، بينما استخدمت الفعل الماضي للاسترجاع، واستيراد التاريخ والماضي، وقد وظفت بعض المفردات الجميلة التي ساهمت في إنتاج لغة فنية قصصية شائقة و شائكة.
إضافة إلى الصور الفنية والفنون البلاغية مثل التشبيه الذي هو حاضر في معظم قصصها استعملته بطريقة ذكية ليجتنبها السرد الزائد.

المراسل الصحفي: محمد وسوف

محمد محمود وسوف سوريا / طرطوس كاتب وصحفي سوري حائز على شهادات مختلفة في مختلف المجالات الأدبية والصحفية والثقافية تم تكريمه من محافظ مدينته السورية "طرطوس" كما أنه حائز على شهادة في الأيجاز الصحفي والكتابة الصحفية العربية من معهد الجزيرة الإعلامي كما أنه من المؤثرين ثقافياً وإنسانياً في الوطن العربي لعام 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى