ياصديقي //للكاتب ابومحمد
يا صديقي..
لا أخفيك سرا.. أصبحت أستوحش من هذا العالم الذي يموج بالقصص والحكايات التي تشيب لها الولدان ويحتار فيها ذوي النهى والأحلام.. وذلك أنني كلما سمعت شكاية أحد من الناس وجدت فيها ما يفطر القلوب ويقرح النفوس.. لا أكاد أسمع شكاية إلا وأشعر كأني أشاهد قصة فيلم أو مسلسل من تلك التي تصور الناس على أنهم أهل غاب.. قساة القلوب معدومي الضمير لا دين يرشدهم ولا قانون يحكمهم ولا عرف يضبطهم ولا إنسانية وضمير يؤنبهم..
يا صديقي..
وما عدت أدري هل الرواة والكتاب إستوحوا هذه القصص من الواقع.. أم كانت خيالا فتشربه الناس وتمثلوه وجعلوه واقعا مريرا فأصبحنا نحياه ونسمع عنه رغم أنوفنا..
يا صديقي..
هل ضائقة اليد تجعل الناس يغيرون أخلاقهم ويبدلون طبائعهم ويتنازلون عن أعرافهم ويقتلون ضمائرهم ويجنبون شرائعهم ويتنازلون عن مروءتهم.. أم هي النفوس الدنيئة الخبيثة التي تأبى إلا السفالة منهجا والدنائة مشرعا..
يا صديقي..
ما أكثر الشكاوى التي سمعتها وسمعت عنها وعايشت أحداثها مع أصحابها في هذه الفترة القريبة لو أردت أن أسرد كل شكاية على حدة لما وسعتني الدفاتر ولما أسعفتني المحابر.. ولأبكيت العيون وأدميت القلوب على فوات الضمائر والأخلاق..
يا صديقي..
الله يعلم وأني أكتب هذه الكلمات أن كبدي لمقروحة وإن نفسي لمذبوحة وإن قلبي لمنفطر وعقلي لشارد في أمواج متلاطمة مظلمة لا يعرف لها شطئانا.. باتجاهها يسبح ولا ذوات شراع تنجيه من أهوالها وكأني بمشهد نوح عليه السلام يشير إلي من بعيد يتجلجل صوته في أذني ويهز أركاني ويتدفق إلى جوارحي أن لا ملجأ ولا عاصم من هذه المهلكة العظيمة إلا الله.. ولا حبل إلا حبل الله..
يا صديقي..
لم أهول من الأمر وإذا أردت أمثلة فانظر في أحوال من حولك من الناس ستجد العجب العجاب.. وسترى كل ما أشرت إليه جملة.. مفصلا لا يعييك لرؤيته إلا أن تتفرس في حالك وحال من حولك وتنبش في حياتهم وتصغي لشكاياتهم..