الوحدة الثقافية بقلم/الدكتور عبد الولي الشميري
لما فکر القادة الهندود – وأقدم بالهنود مؤسسى الدول الرئيسية: الهند وباکستان – في قيام دور مركزة ذات علاقة فورالية يتجمع، هداهم العقل إلى إقامة الوحدة، وتقسيم الأرض والإنسان على أساسين:
الأساس الأول: المعتدات الدينية.
الأساس الثاني: التجمعات الغوية، مع وجود أقليات تخرج عنهه
القاعدة.
ولم يختلف الإنكليز معهم على صواب هذه الاعتبارات كأساس صحيح لتقوم عليها تجمعات بشرية، تنضوى تحت راية واحدة، وبعد نهاية المقاومة السياسية للقارة الهندية ضد الاستعمار الانجليزي في سبيل التحرير كان الحرية والاستقلال، واختار الشعب الهندى لغة الأغلبيه الحالية الهندية، تتوحد في ظلها طوائف الشعب الهندی، ومناهجه الدرسية، وأخباره ومسلسلاته ومراسلاته مع احتفاظ كل قومية بلغتها المحلية، وما أكثرها في الهند! وغالبا لا تجد قومية تتحدث لغة قومية أخرى، ولكن تجمعهم جميعاً اللغة الهندية الموحدة لغة الدولة والشعب مع استخدام الانكلیزية الشائعة في حداد التجارة والحاجة إليها للعلاقات الدولية. وكان استقلال باكستان سنته 1948 م يقوم على اختيار اللغة الأوربية لغة رسمية للدولة المركزية مع إبقاء الحق لكل قومية أن تتحدث لغتها المحلية وما أكثرها! وكان من اهم العوامل الكثيرة التي أدت لانفصال البنغال عن دولتهم باكستان وأدت إلى التفاف سكان بنجلادش وراء الشيخ مجيب الرحمن؛ ليقود دعوة انفصال بنجلادش واستقلالها عن پاکستان – عامل اللغة البنغالية التى يعرفها معظم سكان دولة بنجلادش وا الأواصر الدينية لأغلبية سكان باكستان وبنجلادش الذين تدين أغلبيتهم بالإسلام ليبقى الشعبان فى ظل وحدة سياسية واحدة؛ فكان ما كان من الحرب والانفصال وإعلان دولة بنجلادش وكان حال هذه الدولة الثالثة تشفع اللغات مع المحلية والتجارية كما هو حال الدولتين السابقتين ..
ولعب عامل التحيز للغة دوراً مهما فى إقناع خصوم الانفصال. والأمريكيون أصحاب كبرى المدنيات الحديثة فى عالم اليوم كانوا وما يزالون يملكون لغات أخرى محلية إقليمية وكانوا أكثر حرصاً على الوحدة اللغوية للولايات الأمريكية كافة كلغة رسمية يتوحد في ظلها الإعلام والمناهج الدراسية، ولغة الدولة والمخاطبات الثقافية، مع الإبقاء على بعض اللغات المحلية ليتحدث بها أصحابها فيما بينهم، ولكن لا يعتبرونها لغة رسمية .
ورغم الحروب التحررية التى درات فى الولايات الأمريكية كافة ضد الاستعمار البريطاني في سبيل نيل الحرية، وبرغم حرب الشمال الأمريكي ضد الولايات الأمريكية الجنوبية المنادية بالانفصال لأربعة أعوام (1861م. 1865 م) إلا أن الأمريكيين كانوا مجمعين على وحدة اللغة الرسمية والثقافية وهى الإنكليزية التي كسبوها من المستعمر البريطاني وبقيت الشعوب الأمريكية المتمدنة ضمانات استمرار الوحدة في وقت عجزت الدولة الأقل سكاناً وهى جارتها كندا عن تعميق الولاء الوحدوى للنظام السياسي الكندى فلا تكاد النزعة الانفصالية تتصاعد بين سكان ولاية الكيك الناطقة بالفرنسية دون غيرها من الولايات الكندية المترامية الأطراف، إلا أن المناهج واللغة الرسمية ولغة المخاطبة والتجارة لم تقبل بالاندماج اللغوى مع لغة رسمية في «أوتاوا» وهي الإنكليزية .
أما الأوربيون، بلغاتهم الكثيرة فلم يكن سهلاً عليهم التطلع إلى وحدة سياسية في نظام سياسى فيدرالى واحد واكتفت منظمة الدول الأوربية (تشنجن) بوحدة نقدية لعملة موحدة اليورو) ليبدو قوة اقتصادية أمام دولار الانكولين الأمريكي، ولتحافظ على بقائها الاقتصادي بأعباء أقل تكلفة من ثلاث عشرة عملة، ورغم وحدة وثائق السفر أمام المواطن الأوربي فما تزال هناك كمية من التحفظات الخفية على الانضمام الشامل للعملة الموحدة وعلى رأس المتحفظين المملكة المتحدة البريطانية. وهناك تحفظات على الدمج الكامل بمنح : تأشيرات الدخول من قبل الدول الأوربية كافة من الاتحاد لأى سائح أو زائر لدول (تشنجن)، وهذان المثالان دليلان على أن الوحدة اللغوية الثقافية تسبق الوحدة السياسية الاقتصادية، بل إن ثقافة الأمم، وإيجاد قناعاتها بوحدتها وتقاربها والتأثير الثقافى لا يتم إلا بتوحد اللغة بين الأمة الواحدة .
ومن هذا المفهوم أجدنى متسائلاً :ما بال أمة الضاد العربية ذات البعد الوحدوى ثقافيا، ودينيا ،ولغويا ،وجغرافيا لم يحن تفكيرها الجاد في التحرك المشارع المتدافع نحو واحدية الثقافة والآداب؟!