” استعدادات العادة / بقلم: ماهر اللطيف”
استعدادات العادة
بقلم: ماهر اللطيف
قرعت الطبول من هنا وهناك وتعالت الزغاريد في كل مكان، وحلت الفوضى في كل الأزقة والأحياء، وانتشر الصخب الضوضاء حتى خلته يوم الحشر، فهل حصل شيء ما على هذا التراب ولم أعلم به؟ هل حانت الساعة و لم أتفطن لذلك؟ هل هي طبول الحرب وزغاريد تشجيع المحاربين وتوديعهم، أم هي أفراح جماعية دون سابق إعلام بما أن مثل هذه الأفعال عادة ما تقع في المناسبات مثل ليلة نصف رمضان وليلة القدر؟
وبقيت كذلك تائها وحائرا بين طرح التساؤلات التي تجول بخاطري وتحاول فهم ما يحصل ودحضها بالأدلة والبراهين مدة من الزمن، وبين ما أزاه من جري وركض وتسابق وتلاحق بين بني وطني من كافة الأجناس والأعمار في كل مكان الشيء الذي زاد من حيرتي ورهبتي وخوفي من هذه المشاهد والصور المرعبة مما حدا بي إلى الاستنجاد بأول مار يظهر عليه الوقار والأنفة والشموخ من خلال الملبس والمظهر والقوام، فاستوقفته بعد إلقاء التحية ومصافحته وقلت له بحياء ولين وصوت ثاقب لا تشوبه شائبة:
– ما الحكاية أخي؟ ما الذي يحصل في بلدي اليوم ولما كل هذا الجري والتسابق والتلاحق؟ ما سر هذه الحركية غير العادية؟
– (وهو يضحك يشير بإصبعه إلى ساعته ليقول إنه لا يقدر على التوقف معي كثيرا لصراعه مع الوقت الذي لا يرحم ) أ لم تعلم أن شهر رمضان الكريم جعله مباركا على جميع الأمة الإسلامية غدا؟
– (مقاطعا وأنا في حالة صدمة ودهشة) أعلم ذلك، لكن الأمر لا يتطلب كل هذه الحركية
– (ضاحكا وهو يستعد للجري والالتحاق بالعدائين الآخرين الذين سبقوه) علينا اللحاق بما يمكن الظُّفر به من لوازم ومستلزمات لهذا الشهر الكريم
– (بأعلى صوتي ومخاطبي يختفي عن الأنظار في لمح البصر) إنه شهر عبادة وتقرب من الله وسعي إلى نيل رضاه والعتق من النار وغيرها وليس شهر الرغبات والشهوات والتبذير و إهدار المال والطاقة والصحة وغيرها….
لكن أحدا لم يسمعني وواصل المواطنون الجري لاقتناء ما يشبع رغباتهم ونزواتهم التي لا تشبع ولا تقنع مهما كنزت وخزنت واحتكرت وحرمت غيرها بالتالي من أبسط الحاجيات والمستلزمات في وقت عجز فيه هؤلاء عن الجري مثلهم لضيق حالهم أو محدودية إمكانياتهم أو ما إليه من الأسباب.
فجأة، تذكرت صغري وشبابي متى كانت استعداداتنا في ذلك الوقت مخالفة نوعا ما لما نشهده اليوم، بما أن أمهاتنا وقريباتنا وجاراتنا وغيرهن كن يجهزن التوابل والكسكسي ومشتقاته وغيرها منذ مدة عبر التعاون والتضامن والعمل في مجموعات من أجل تحضير “العولة”، كما كن يغيرن ما يجب تغييره في البيوت ويؤثثن ما يرغبن في تأثيثه بمناسبة هذا الشهر، وسنوها من العادات والتقاليد السمحة التي كانت ممزوجة بالورع والتقوى والإيمان، فكان موعد مقدم هذا الشهر حدثا جللا يستعد له القاصي والداني فيتعطر المكان وتعم روائح رمضان ونكهته كل شبر تراب كما نقول، فتدق طبول الفرحة والنخوة والتسابق نحو أبواب الله بغية التوفيق والنجاح ونيل المراد وهو العتق من النار، لا طبول اللهفة والرغبة والتسابق نحو أبواب المغازات والمساحات الكبرى قصد نيل شهوات النفس التي لا تشبع وغالبا ما تلهينا عن ذكر الله في كل آن وحين.