تراث عربي /نحو/علوم لغة

اللغة العربية الجزء الثالث عشر الفصل الثاني بعد الاسلام (مظاهر التَّغيّر اللُّغويّ)//للكاتبة اللبنانية ملفينا ابومراد

اللغة العربية
الجزء الثالث عشر
الفصل الثاني بعد الاسلام

(مظاهر التَّغيّر اللُّغويّ)
من خلال استقراء التَّغيّرات الَّتي تطرأ على معاني الكلمات في اللُّغات المختلفة، استطاع علماء اللُّغة المعاصرون أنْ يحصروا تغيّر المعنى في مظاهر رئيسة تصدق على اللُّغات جميعًا، وبحسب تقسيم منطقي اتَّبعوه وجدوا أنَّ المعنى القديم للكلمة: “إمَّا أنْ يكون أوسع من المعنى الجديد، أو أضيق منه، أو مساويًا له، ولم تكن هناك إمكانية رابعة يدخلونها في حسبانهم”؛ وبذلك نجد أنَّ أهمَّ مظاهر التَّغيّر الدِّلاليِّ الَّتي تصيب الألفاظ ثلاثة، هي: تخصيص دلالة الكلمة، أو تعميم دلالتها، أو تغيير مجال استعمالها؛ يقول اللُّغويّ “ج. فندريس”: “ترجع أحيانًا التَّغيّرات المختلفة الَّتي تصيب الكلمات من حيث المعنى إلى ثلاثة أنواع: التَّضييق والاتِّساع والانتقال، فهناك تضييق عند الخروج من معنى عام إلى معنى خاصٍّ، وهناك اتِّساع في الحالة العكسيَّة أي عند الخروج من معنى خاصٍّ إلى معنى عام، وهناك انتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كانا لا يختلفان من جهة العموم والخصوص”.
تضييق المعنى (تخصيص الدِّلالة)
ويسمَّى أيضًا تخصيص العام؛ وهو أنْ تقصر دلالة اللَّفظ العام على بعض ما كانت تدلُّ عليه، بحيث يصبح مدلول الكلمة مقصورًا على أشياء أقلّ عددًا ممَّا كانت عليه الكلمة في الأصل؛ وقد تنبه اللُّغويّون العرب القدامى إلى ظاهرة تخصيص الدِّلالة في العربيَّة وعرفوا علّتها كذلك، فقد كان اللُّغويّون الأوائل واعين لهذا الجانب من جوانب التَّغيّر اللُّغويّ عارفين عللـه ومظاهره؛ فمنهم السُّيوطيُّ الَّذي تحدَّث- أيضًا- عن هذا المظهر من مظاهر تغيّر المعنى أي (تخصيص الدِّلالة) ضمن باب في كتابه (المزهر) سمَّاه: (معرفة العام والخاصِّ) ذكر فيه اللَّفظ (العام المخصوص) وهو عنده اللَّفظ الَّذي: “وضع في الأصل عامًّا، ثمَّ خصّ في الاستعمال ببعض أفراده، وقد ذكر ابن دريد (ت: 321) أنَّ (الحجَّ) أصله: قصدك الشَّيء وتجريدك لـه، ثمَّ خُصَّ بقصد البيت، فإنْ كان هذا التَّخصيص من اللُّغة صلح أنْ يكون مثالاً فيه، وإنْ كان من الشَّرع لم يصلح؛ لأنَّ الكلام فيما خصَّته اللُّغة لا الشَّرع.
وكلمة “الإسلام” تعني: الانقياد التَّامّ لأمر الآمر ونهيِه بلا اعتراض، وقيل: هو الإذعان والانقياد وترْك التمرُّد والإباء والعناد، وتخصَّصَ هذا المعْنى وترقَّى بعد سطوع نور الإسلام، فقد تغيَّرَ دلاليًّا بطريقة التَّخصيص والرّقيّ إلى: الدّين الَّذي جاء به محمَّد- صلَّى الله عليْه وسلَّم- ، والإسلام هو التَّسليم للخالق والخضوع له، وتسْليم العقل والقلب لعظمة الله وكماله، ثمَّ الانقياد له بالطَّاعة وتوْحيده بالعبادة، والبراءة من الشِّرك به سبحانه.
وكلمة “الصَّوم” تعني: الصَّوْمُ: تَرْكُ الطَّعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ، ثمَّ خُصِّص معناها وترقَّى إلى: الإمساك نهارًا عن المفطرات بنيَّة من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشَّمس، من شخصٍ معيَّن أهل له؛ وهو المسلم العاقل غير الحائضِ والنَّفساء، بنيَّة الصِّيام.
ومن حالات التَّخصيص الدِّلاليِّ إطلاق الاسم العام على طائفة خاصَّة تمثِّل نوعها خير تمثيل في نظر المتكلِّم؛ لأنَّ الإنسان إذا وثق من أن مُحدَّثه قادر على فهمه أعفى نفسه من استعمال اللَّفظ الدَّقيق المحدَّد واكتفى بالتَّقريب العام؛ فكلمة “الهرج” تطلق على الاختلاط والسُّرعة، هَرَج الفرسُ في مشيه؛ أي: أسرع، هرَّج: خلط، والتَّهريج: الفِعْل المضحك؛ لأنَّ فيه تخليطًا يُضْحك، ومِن ثمَّ خُصِّصَ هذا الخلط بالفِتْنة الَّتي تختلط فيها أحوال النَّاس وتفسد، ممَّا يصعب على المسلم التمسُّك بدينه.
وفي لهجات الخطاب المعاصرة تخصَّصت كلمة (الطَّهارة) وأصبحت تعني (الختان). وتخصصت كلمة (الحريم) فبعد أنْ كانت تعني: “الَّذي حرم مسّه فلا يدنى منه”، أصبحت تعني النِّساء خاصَّة. وكلمة (حرامي) هي في الأصل نسبة إلى الحرام، ثمَّ تخصَّصت دلالتها واستعملت بمعنى (اللِّص) في القرن السَّابع الهجري.
ومن التَّخصيص كلمة (الصَّحابة) وهي تعني الصُّحبة مطلقًا، وقد خصّصت بأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، و(التَّوبة) ومعناها في اللُّغة الرُّجوع، وخصّت بالرُّجوع عن الذَّنب. وكلمة (الفاكهة) كانت تعني (الثمَّار كلّها) ثمَّ خصّص هذا المعنى وأصبحت تدلُّ على أنواع معينة من الثمَّار.
توسيع المعنى (تعميم الدِّلالة)
ويحصل عند الانتقال من معنى خاص إلى معنى عــــــام، ومثلما يصيب التَّخصيص دلالة بعض الألفاظ فقط يصيب التَّعميم دلالة بعضها الآخر، فنجد أنَّ معنى الكلمة يصبح ممكن التَّطبيق على مدى أوسع وأشمل، ويصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السَّابق. وينحصر تعميم الدِّلالة في “إطلاق اسم نوع خاص من أنواع الجنس على الجنس كلِّه، وهذه حال الأطفال الَّذين يسمّون جميع الأنهار باسم النَّهر الَّذي يروي البلدة الَّتي يعيشون فيها.
وكثيراً ما نلحظ الأطفال يطلقون اسم الشَّيء على ما يشبهه لأدنى ملابسة أو مماثلة؛ فقد يطلقون لفظ (الخالة او العمة ) على كلِّ امراة يرونها، وكذلك النَّاس في حياتهم العادية يكتفون بأقلِّ قدر ممكن من دقَّة الدِّلالات وتحديدها، ويكتفون بالقدر الَّذي يحقق هدفهم من الكلام والتَّخاطب، وهم لذلك قد ينتقلون بالدّلالة الخاصَّة إلى الدّلالة العامَّة التماسًا لأيسر السُّبل في خطابهم.
ويفسِّر علم اللُّغة الحديث ظاهرة التَّعميم هذه بأنَّها ناتجة عن إسقاط بعض الملامح التَّمييزية للفظ، والَّذي يبدو أنَّ التَّشبيه والمجاز المرسل بعلاقاته المعروفة، سببان رئيسان كذلك في نشوء ظاهرة التَّعميم الدِّلاليِّ؛ لأنَّ العلاقة بين دلالَّتي اللفظ ـ قبل التَّعميم وبعده ـ غالباً ما تكون علاقة مشابهة، أو إحدى علاقات المجاز المرسل.
تابع
ملفينا توفيق ابومراد
لبنان
24/6/2023
جزء من المعلومات من غوغل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى