سراييفو
شعر/د. عبد الولي الشميري
أتيتُ على طائرِ الأزمنةْ
وبين يدي للمُنى سَوْسَنَةْ
أَمِيلُ مع الرّيحِ فوق السَّحابِ
إلى (هرسكي) وإلى (البوسنة)
أتيتُ وكم كنتُ أَهْوَى اللِّقاءَ
تَمَنَّيْتُه سنةً في سنةْ
وقد يجمعُ اللهُ في لحظةٍ
بَعِيدَينِ روحي بذا مُؤمنةْ
أنا واشتياقي ولوعاتُه
وحبّي لساحرةٍ فاتنةْ
هو العشقُ تُحرِقُني نارُه
وهيهاتَ مِن حالةٍ مُدمِنَةْ
أتيتُ لأسجُدَ في كَعبةٍ
محاريبُها في الحشا ساكنة
بلادٌ مِنَ المجدِ قَدَّسْتُها
وتعجزُ عن وصفِها الألسنة
تمازَجَ في نَبْتِها والثَّرى
دمٌ عَطَّرَ العِطرَ والأَمْكِنَةْ
وتحت السَّماءِ ضُحًى مُشرِقٌ
تبيتُ وتَغدو به آمنة
فقد بذلَتْ مَهْرَ هذا الأمانِ
ثمانينَ ألفًا معَ البَيِّنةْ
وها هي أرواحُهم فوقنا
وأجسادُهم في الثَّرى مُثْخَنَة
ومَنْ أوردَ الخيلَ مِضمارَها
يرى قفزةً للعُلى مُتْقَنةْ
ولكن بلادي وفي مشرقي
غيومٌ تُلَبِّدُها داكنة
وحتّى الخُزامى ونَبتُ الرُّبى
تنوحُ وتَشكو اليدَ الخائنة
خناجُرها في نحورِ البلادِ
فيا وَيلَها أُمّةً مُذْعِنَة!
تُصَفِّقُ للموتِ في دارِها
وتَمتدحُ المَوتَ ما أَحْسَنَهْ
وتَهتِفُ للجُوعِ في نَشْوَةٍ
وللفَقرِ في دارِها مِئْذَنة
تُقَبِّلُ كفَّ نَبِيِّ الفَناءِ
وتَسْجُدُ في الذُّلِّ والمَسكَنة
إلهٌ مِنَ الخوفِ تَحيا له
له المالُ والجيشُ والسَّلْطَنة
له مسجدٌ وله معبدٌ
له حانةٌ وله فَرْعَنَة
يُراوغُ بِالله في أرضِهِ
وكم مَرَّةٍ همَّ أن يَطْعَنَه
يُدَفْتِرُ للشَّمسِ أوراقَها
ويَسرِقُ منها فما أَلْعَنَه
هو الشَّعبُ قد أَلِفَ المُوبِقاتِ
فأَمْسَتْ فجائعُه مُحْزِنةْ
يُقَبِّلُ كفَّ الّذي كَفَّهُ
وقد باعَ مِن أجلِه مَسْكَنَه
ويروي بطولاتِ جَلَّادِهِ
مَفاخرُهُ الغَدْرُ والشَّيْطَنَةْ
سلامٌ على وطنِ الأشقياءِ
جراحاتُه كلُّها مُزْمِنَة
ويا دولةَ الشّعرِ لا تَحزني
فكم قصّةٍ عندَنا مُحْزِنَة
جموعَ الأحبّةِ لا تَجزعوا
فللشِّعرِ ثَورتُهُ المُعْلَنَةْ
يقودُ ويَبني ويَقتادُ مَن
يرى أنّه الدّنَّ والدَّندنَةْ
وللشِّعرِ تاجٌ وسيفُ الرَّدى
أباحَ هِجا الطُّغْمَةِ الماجنةْ
على كاهلي صارمٌ باتر
هو الشِّعرُ والشِّعرُ ما أَثمنه؟
زر الذهاب إلى الأعلى