إشراقات أدبيةالمقال

جدتي الحبيبة بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

جدتي الحبيبة

بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

مَا بَالَى بِك أَيُّهَا الْغُلَامُ ؟ ! وحفيدى الْوَحِيد ، وَقَد انْتَهَى أَمْرِي وَقَدْ لفظتنى الْحَيَاة وقطوف التَّشَوُّق وَالْعَدَم بقلبى خَامِل ، قَالَت الْجَدَّة هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بَيْن جُدْرَانِ البَيْتِ الْعَتِيقِ الَّذِى طَالَمَا كَان مَثْوَى لَهَا وَلَا نجالها الراحلين .

نَظَرٌ الْغُلَام الصَّغِير ل جَدَّتِه ” ونيسة ” بَيْنَمَا كَأَنْ يَكْشِفَ جَوَانِح النَّافِذَة عَن أَشِعَّةِ الشَّمْسِ قَائِلًا ، بَعْدَمَا ثْنَي رُكْبَتَيْه أَسْفَل أَقْدَام الْجَدَّة يتنهد كالعاشقين بِالتِّجَارَة مَعَ اللَّهِ :

جدتى وحبيبتى وَأُمِّى ، هَل تتفرد النُّجُوم عَن الْأَقْمَار ؟ ! وتنعزل الْبَشَرِيَّةِ عَنْ الْحَيَاةِ ؟ ! وتختلى الْمِيَاهِ عَنْ الظامئين ؟ !

نَظَرْت الْجَدَّة الْمِسْكِينَة بِعُيون مُضَبَّبَةٌ ، اِكْتَسَت بِمِيَاه الْعَجْز ، وضنت بإرتعاشة مِن وجنتيها المترهلة ، قَائِلُه بِفَكّ مِنْ فَاه فَرَغَت أَسْنَانِه ورحلت قواطعة :

بِالطَّبْع لَا يَا وَلَدَى .

قَال ” يُوسُف ” حفيدها الْوَحِيد :

إذَا ” يُوسُف ” لَن يَعِيش بِدُون الْحَيَاة ، وَأَنْت كُلّ الْحَيَاة يَا جدتى وَأُمِّى .

تَنَهَّدْت الْجَدَّة وَدَمْعُه لامِعَة تَعَلَّقَت برموشها الْهَالِكَة الْمُنْكَسِرَة , حَتّى قَالَتْ بِصَوْت ثَقُل وَزْنُه وَرِثَت لَه الْأَسْمَاع ، تَنْظُر بِإِصْرَار لنافذة الشَّمْس :

انْتَظَرَه مُنْذ رَحِيل جَدُّك الغالى ، وَلَم يَأْتِى ؟ !

تَحَرَّك يُوسُف نَحْو نَافِذَةٌ الشَّمْس ، قَائِلًا :
هَلْ يُوجَدُ غَيْر يُوسُف ؟ ! تَنْتَظِرُه الْجَدَّة الْغَالِيَة ” ونيسة”

انْتَظَر ” يُوسُف ” لِيَسْتَمِع لِهَذَا الصَّوْت الْوَاهِن الضَّعِيف ، رُبَّمَا سَيَقُول كَا عَادَتُه :
أَبَدًا يَا بَنِى أَنْت حَبِيبِي الْوَحِيد .

لَكِنَّه اسْتَمَع لِصَوْت الصَّمْت ، وَرِيَاح طَافَت بالذكرى ، وَرَمَاد الِاشْتِيَاق تَرَبَّعَت عَلَى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّك ، بَقِيَت بِهِ بَعْضُ رَوَائِح الْحَنَّان وَجَسَدًا كَانَ يَنْبِضُ بِالْحَبّ ، وَعُيُون طَالَمَا بَكَتْ عَلَى نَبْض قَلْب الْغُلَام .

حَتَّى هَرَع الصَّبِىّ مُهَرْوِلَا ، يُعَانِق الْكُرْسِيّ الْفَارِغ مِنْ جَدَّتِهِ الرَّاحِلَة ، متهتها فِى حَرْقِه وَافْتِقَاد ، غارقا بِدُمُوعِه :
وَجَاء ماكنت تنتظرية ، ياحبيبتى وَأُمِّى .
.

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى