القصة

ليلة جدباء للكاتبة “نور الهدى مجاني”

تجّمعنا على صوت جدتي وهي تنادي وتقول :يا أحفادي اقتربوا كي أحكِ لكم حكاية صغيرة عن رمضان ،فتجمعنا كلنا حولها ،متلهفون لسماع ما سترويها لنا اليوم ،حكايات جدتي طويلة جدا إلا أني أعشقها وأنتظرها بلهفة،لأنها تحمل في طياتها عبرة،تجعل مني شخص واع وناضج،قلت بصوت عال حتى تسمعني جيدا :جدتي كلنا أذان صاغية بإمكانك البدء،قالت :أنا متعبة اليوم لن أطيل عليكم سأختصر الحكاية”،لقد اندهشت لكلامها فهي أول مرة تقول هذا الكلام ،قالت:كانت هناك امرأة أرملة لها ثلاثة أبناء كلهم صغار في السن ،كانت تعمل لأجلهم طوال النهار لتطعمهم,حتى أنها نسيت نفسها وضاعت بين طلباتهم غير المنتهية،لمّا حل رمضان المبارك توقف المعمل الذي تعمل فيه مؤقتا،وهذا لم يكن في الحسبان،ومن حسن حظّها أنها صمدت القليل من المال،مرت الأيام الأولى بسلام ،حتى انتهى المال ،احتارت المرأة ماذا تفعل وأين تذهب ،فحضرت الموجود ريثما تفكر في حل لنهار الغد،جلس الأولاد على الطاولة،كل منهم ينظر للآخر نظرات استغراب ،كانت الطاولة شبه خاوية وأكلها لا يسد جوع الجميع ،كل الأبناء صمت ورضي ،إلا إبنها الكبير مروان وقال “أتسخرين منا ياأمي أهذا هو الفطور ونحن طيلة اليوم جياع”،وبعثر الأجواء وخرج،تناول أخواه الموجود وهي سدت نفسها،وانزعجت من تصرفات ولدها ،لأنها لم تبخلهم في حياتها وكرسّت نفسها لهم،ويوم واحد لم تستطع توفير لهم الأكل لامها … في صباح الغد استعارت بعض المال من جارتها ،لكن كان قليلا ،فكانت مائدة الإفطار دائما شبه فارغة والابن يتذمر،في أحد الأيام خرج والجوع يدغدغه ،والحزن لأجل عائلته يسكنه،وخاصة لما يرى القمامات في الحي يعلوها أكل ،ألقاه الناس لما شبعوا ولم يتصدقوا به وهم لايملكون حتى ما يكفيهم،وصار يأكل دائما من القمامة،ومرة قررت الأم أن تتبعه وترى أين يذهب دون فطور ومن يطعمه ،ولما رأته في ذلك المنظر يلتهم فضلات الناس والقمامة كمتسول ،انهارت وبكت طويلا ،لما عاد للمنزل ذلك اليوم ،مرض كثيرا أخذته أم للمستشفى ،تسمم لقد فارق الحياة،جُنت الأم لموته ”
صرنا نبكي أنا وإخوتي وأبناء عمي ،فقالت لنا الجدة انتهت القصة فماهي العبرة التي استخلصتموها ؟قلت لها :يجب أن نرضى بالموجود مثلما فعل أخواه ،قالت “أحسنت وأيضا”قلت:  إن كان لنا أكل كثير نتصدق به للمحتاج ولا نلقيه ليراه الفقراء ويحزنون ,قالت: “ذكي كما عهدتك”،

وذهبت للنوم ودمعة عالقة في عينيها حبستها أمامنا،الكل خلد للنوم وأنا التفكير أرقني،لم أنم حتى الصباح ،ولما استيقظت جدتي قلت لها: طريقة سردك قصة البارحة مختلفة، واختصارك ،والحزن الذي بدى عليك،هناك سر وراء هذا ،قالت:”عرفت أنك ستسألني
نعم تلك الأم التي فقدت ولدها هي أنا ياحفيدي ”
في تلك اللحظة عانقت جدتي وشعرت بالفخر لشجاعتها وقوتها وكفاحها..!

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى