الغرق قصة قصيرة بقلم الكاتب // وائل السعدني
الغرق…
إستيقظ من نومه فزعا فقد رأى أنه يغرق في بحر عميق و ليس بجواره أحد لينقذه، و كان عندما يحاول الصعود لسطح الماء وجد قوة غريبة تجذبه للأسفل و لا يستطيع مجابهتها.
قام من فراشه مكتئبا شارد الذهن و النظرات و اتجه لكتاب تفسير الأحلام فلم يجد شيئاً و دخل على الإنترنت فلم يجد جواباً شافياً لتساؤلاته، و عندما آيس أن يجد ما يشفي صدره خرج لعمله مهموماً حزيناً.
كان عمله شاقاً و طويلاً و لكن هذا حاله كل يوم منذ أكثر من عشرين عاماً.
و ذات مساء قالت له زوجته: إن عملك قد أخذ منك حياتك و أسرتك و تركك غارقاً في حياة أخرى غير حياتك الحقيقة.
هنا تنبه فجأة لحلمه الذي رآه من قبل.
فهو غارق في عمله و كلما أراد أن يصبح في منصب أفضل أو في عمل حر إذا بعمله يشغله و يعيده إلى حظيرته، و لكن عمله أيضاً كان قاسياً على أسرته فها هم أبناؤه قد كبروا و صاروا شباباً مفعما بالحيوية و النشاط و لكنهم لا يعرفون والدهم إلا أنه يأتي مساء كل يوم منهكا ثم يأكل و يدخل لغرفته لينام بدون أن يجلس معهم و بدون أن يعرف أحوالهم و أخبارهم.
قرر أن يأخذ إجازة من عمله لأول مرة في حياته الوظيفية ليجلس مع أبناءه، و لكن أبناءه ضجروا من وجوده و تعليقاته و تلميحاته حتى تجرأ أكبرهم و قال له: والدي أنا لم أجلس معك منذ ولادتي أكثر من نصف ساعة فكيف تعتبر نفسك لي أبا و كيف تريدني أن أستمع لتوجيهاتك و نصائحك؟
لم تفدك النصائح و التوجيهات في الحفاظ على ترابط الأسرة فهل هذه الإجازة السريعة كافية أن تمحوا أثر عشرين عاماً؟
إرجع إلى بيتك الحقيقي، إرجع إلى وظيفتك و اتركنا فنحن بدونك أفضل.
و كان أن فعل ذلك فرجع إلى وظيفته و عمله و لكنه رجع شبحا فقد خسر حياته الحقيقية و قريباً سوف يترك حياته الهلامية.
و هكذا أعمارنا قصيرة و نحن غارقون في تفاصيلها و منا من ينجوا هو و من معه و منا من يغرق هو و من معه.
وائل السعدني