إشراقات أدبية

التحية بقلم بقلم: عبد الستار الخديمي_تونس

قصة قصيرة
*** التحية***
الجو في الغرفة خانق وكأنني أتدلى بحبل حول عنقي مشدود إلى السقف، جلست في كل الأمكنة المعدة للجلوس، تمددت على الأريكة أرجوانية اللون ولكنني لم أحس بدفئها المعهود، كانت تحتضنني حين يتهالك جسمي، حين تخور القوى ويتعسر النفس ويكاد ينقطع، هناك شيء بداخلي يخنقني، يمتد في الفضاء طولا وعرضا، يحتل كل المسافة، اعاتب نفسي أحيانا أنني لا أحسن قيس المسافة ولا أحسن العد ولم أكن يوما بارعا في إقامة جدران الصد.
الفوضى عارمة في نفسي أكاد أغرق تارة تترصدني الذكرى بأوتاد لا تزال تشدني إلى ذلك اليوم الذي ثملت فيه وأقمت حدائق غناء بين أسوار قلبي وفاحت رائحة الزهور فعبق المكان والزمان واحتفلنا حتى غدونا مطلقا بلا بداية ولا نهاية. وطورا يناديني صوت من أعماق الكيان معلنا توبتي وغربتي ويقول: هذا الزمان ليس لك .. ابحث عن المسارات التي تتقاطع في عسر الولادة.
في غمرة من فوران الدم وتشنج العروق واحتقان النفس وهروب الكلمة، توجهت طيرانا إلى النافذة، فتحتها بعنف، تطلعت إلى ما خلفها فلم ألحظ سوى العتمة تعم الداخل كما الخارج ، فركت عيني بكف يدي مرارا وبدأ المشهد يتضح، إنه يوم ربيعي يبتسم بالحياة والخصب ، وتساءلت: هل يمكن أن يتلبسني الربيع ويزيح عني الشيء الذي يخنقني ولم أستطع أن أعرف كنهه و”على قلق كأن الريح تحتي” لابد للربيع ان يزهر في عمقي.. ينتشلني من تيهي، ويخصب حدائقي التي هجرها الفراش.
اهلا صديقي: هكذا قالت وهي تقف في الشارع قبالة الشرفة.
أجبتها بايماءة برأسي وانعقد لساني وشرقت بدلالة التحية.
ابتسمت وواصلت طريقها في صمت ، وعدت إلى نفسي ومناجاتي، أغلقت النافذة واقتنعت بأنه لابد من الخروج عن الإطار وكسر الحواجز وإخراج ذلك المكون الخانق الذي، احتلني دون استئذان، ارتميت على الأريكة فوجدت حضنها دافئا كما عهدته، أغلقت عيني في ما يشبه السبات ووصل أذني صوت فيروز، ذلك الصوت الذي يحملني في رحلة سحرية نحو عوالم سرمدية لا يعلم كنهها الحقيقي سوى خالقها.
أدعم هذا التحرر من كابوس ظل يطاردني في النوم واليقظة، والمعضلة الحقيقية هي الإجابة عن السؤال الحارق الذي ينمي في هذا الجدل بين المد والجزر . أنتفض في جلدي كالمذبوح قربانا في محراب اللاعودة. ولكنني مستعد لأن اكون الربيع أرصع الأيام حلما واغنية للعودة وقبلة على جبين من تلقي التحية تزامنا مع كل اختناق تضيق به الغرفة فاهرب إلى الشرفة بحثا عن التحية الانعتاق.

بقلم: عبد الستار الخديمي_تونس

الإدارة

صحيفة جزائرية إلكترونية ورقية أدبية فنية ثقافية شاملة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى