دراسة نقدية لنص باردة مابين عاشقين بقلم محمد مجيد حسين
.. باردة ما بين عاشقين
محاولة لمقاربة نقدية في نصّ (ساعة الصفر) للشاعرة التونسية الثائرة هادية آمنة.
الشعر هو ذلك الكائن المُتأرجح مابين الأليف والشرس الصارم والانهزامي المُنصف والمجحف الغيور والوفي كالذئب وفقاً للأنامل التي تُحركه هنا القطة الهاربة من نار الذكورية المميتة هادية آمنة تُداعب بوصلة النص بدقة عميقة الأثر حيث تفتح فضاءات مُشتعلة في سماء الدلالة ومن بُقع شبه منسية هنا أتحدث عن جوهر خطابها الشعري:
لنقراء النص معاً
ساعة الصفر
رقصتُ جذلى بدقّات العقارب
والنّغمُ قرع ما فيه تباعد
يا ساعة الصّفر قاسميني السكّر
تعالي هنا معا نتذكّر
يا ساعة الصّفر أهديك الورود
مخافة غدركِ في يوم موعود
أأنتِ تجنّي همس الوجود ؟
نزقُ الحبيب الظالم الودود
مررتِ على الكلّ و جُستِ الديار
كتبتِ التاريخ سواقي وأنهار
تتالت بنقراتكِ عديد الصوّر
وما كنتِ إلا طريق الممرّ
يا ساعة الصّفر قولي كلام
فوقعُ خُطاكِ مصير الأنام
يا ساعة الصّفر هل أنتِ ولادة ؟
أم مأتم اليتم على كلّ وسادة ؟
خريف العمر يبكيه الشتاء
هي عشق الربيع عدوّ الفناء
أما تساءلتِ يوما كيف تمضي السنون ؟
خباياكِ قرع طبول .. طبول
يا ساعة الصّفر ، في ثوانيك الجديد ؟
أم هو التكرار مُعاد وليد
لكلّ اكتمال تؤول النهاية
تكتكت الساعة إعلان البداية.
هادية آمنة
( ساعة الصفر … قرع طبول ..طبول .. تكتكت الساعة إعلان البداية )
بانسيابية مُلتحفة برموش المعرفة وفضاء لغوي طاعن بالحضور .. بضراوة الروح العاشقة للحياة الكريمة على هذه الأنوال تنسج شاعرتنا الصور الشعرية الشاهقة التي تحضر في هذا النص بتعبيرية صارخة وعلى مساحات جمالية دافئة تكتكتة الساعة إعلان البداية هنا يُمكننا أن نضع هذه الصورة على مرمى من تفكيكية جاك دريدا حيث تتحقق جُل شروط النص الحديث إعلان النهاية تحديداً الحضور والغياب فالنهاية لها فضاءاتها الواسعة على مسرح التأويل حيث يمكننا الوصول إلى معنى ما ومن ثم البحث عن معنى آخر وهكذا قراءة تنفي وتؤكد في ذات القيمة الزمنية وتعد هذه من أهم سمات النص الحديث والمرتكز على تعددية المعنى بل المعاني غير المنتهية فإعلان النهاية قد تكون نهاية يوم طويل وقد تكون نهاية مرحلة ما من العمر وقد تكون نهاية مباراة بكرة القدم وقد تكون نهاية حرب باردة بين عاشقين و… هنا نصل إلى إحدى عتبات النص المفتوح الذي يمنح المُتلقي مساحة وافرة لكي يؤَول الصورة الشعرية حسب مفهومه فتكتكت الساعة إعلان النهاية صورة شعرية مُركبة فالتكتكة هي مؤشر جازم بحتمية الصيرورة وإعلان النهاية مؤشر أيضاً في سياق تحديد نهاية حدث ما وربما بداية حدث آخر وإذا أردنا ربط مابين بداية النص وقفلته إعلان النهاية هنا يتراءى لنا تحقيق مؤكد لتعددية المعنى
حيث أن جداء طرفي الدلالة يرمزان إلى الصفر وهو النهاية والنهاية هي بداية حركة ما في سياق التتابع التاريخي, والطرفان الآخران يُمكننا أدراجهما في ذات المنحى الدلالي.
هنا ثمة منظومة من النتائج الباذخة على مسرح القراءة .
هنا يُمكننا أن نصف النص بالتجريدي والتعبيري بذات السياق فالساعة بمعزلة عن السيمائية الدقيقة فهي جامدة رغم حركتها. وفي الرواق الآخر ثمة تعبيرية مُلحة حيث تُعد الساعة بدلالاتها المتعددة فضاء شاسعاً للتعبيرعن جملة من الرغبات الكامنة في إعماق الذات الإنسانية
وثمة تفكيكية راقية تتبوأ شرفة الدلالة ومن مختلف الزوايا ففعل التكتكة بتلقائيتها هي عملية بحث دؤوب عن التجديد وإعلان النهاية هي تأكيد وجود مُنعطف على درجة من الأهمية.
قرع طبول .. طبول هنا ثمة إطلالة واسعة الآفق على سهول غير مُتناهية قرع طبول هنا ترمز إلى إعلان عن حدث قادم دونما تحديد ماهية الحدث, هنا أيضاُ تنجح هادية آمنة في الوصول بنا إلى مرافئ تعددية المعنى فالطبول هي رمز للتغيير ما دون تحديد جهة التغيير فقد تكون الطبول من ضمن العادات المتبعة في الاحتفالات بمناسبة ما أو عرض مسرحي أوعسكري وربما يكون من الطقوس الدينية و.. وهنا تصل شاعرتنا المائزة إلى اللامنتهي من المعاني لصورها الشعرية وهنا أيضاً تتحقق ثنائية السهل الممتنع فهي لا تلجأ إلى المعجمية لتصنع صورة شعرية تخضع لمقاييس ما بعد الحداثة بل على النقيض فهي بلغة أنيقة تنتج درراً من الجمل الجاذبة التي تخلق في ذهنية المُتلقي جملة من التساؤلات ويغدو القارىء شريكاً في البناء النصي عبر عدالة المعرفة.
نستخلص بأن النص لا يعتمد على المركزية أي أنه لا مرجعية واحدة للنص وهذا ما بحثتْ عنه معظم التيارات النقدية والتي تسمى ما بعد الحداثة, ويأتي في طلعتها المنهج التفكيكي, فالمعاني غير منتهية للنص الواحد حيث يُمكننا أن نصل إلى معنى ما ومن ثم نبحث عن معنى آخر وربما يكون المعنى الجديد يُخالف سابقه من مختلف الزوايا أو مايسمى بالهدم والبناء عبر القراءة.
نصّ( ساعة الصفر) لهادية آمنة يملك من المعطيات الجمالية والشعرية ما يضعه في مصافّ النصوص المميزة التي يُفترض أن تفتُح لهُ بوابات النقد على مصراعيها في قادم الأيام.
محمّد مجيد حسين