قِصَّة الجَرِيمَة قَامَت بِخُطْوَة سَرِيعَة بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت
نَظَرْت نَظَرِه مُودَعٌ ، تَطُوف مقلتيها تَحَوَّى جُثَّة الزَّوْج المهدور ، الَّذِي غَدَرَت بِدِمَائِه ” الْمَرْأَة المأهولة بِالشَّرّ ” وَالِدَتَه الْعَزِيزَة ” كَمَا كَانَ يلقبها وَهُوَ يَقْبَلُ قَدَمَيْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ الْمَنَامِ ، حِينِهَا تَنَبَّهْت زَوْج الرَّاحِل متسألة :
هَلْ أَنَا جَائِعَة ؟ !
قَامَت بِخُطْوَة سَرِيعَة مِنْهَا ، اللقت الْغِطَاء فَوْقَ وَجْهِ المتوفي ، وَأَيْقَنْت أَنْ بَابَ الغُرْفَةِ مُوَصَّد بِحُكْمِه ، حِينِهَا أَيْنَعَت أَنَّ الطَّعَامَ الْآن وفنجان الْكَافِيَة الْأَفْضَل ، بَعْدَ تِلْكَ الصَّدْمَة المروعة ، فَبَعْض سَاعَات ، وَتَتِمّ مَرَاسِم الدَّفْن .
حَاوَل الْجَمِيع دُخُول الغُرْفَة ، لَكِنَّهَا اعْتَرَضَت تَرَدَّد بنحيب خَلْف مَدْخَل الغُرْفَة :
قَتَلَه وتريدون الدُّخُول ، كَفًّا بِذَلِك ، فَقَدْ مَاتَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْلِهِ تَسُرّ الْقُلُوب وتشعل الشُّمُوع .
تَرَجَّل الْجَمِيع خَلْف مَمَرّ بَوَّابَة الغُرْفَة ، اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ سَاعَةَ ، حَتَّي فَرَغَت الْمَرْأَةِ مِنْ إطْعَامِ نَفْسِهَا والاِرْتِقَاء بِمَشْرُوب الْكَافِيَة .
انْفَرَجَ الْبَابُ عَلِيّ مصرعية ، حَتَّي دَخَل الْجَمِيع ، إلَّا مِنْ الْمُحَقِّقِ الَّذِي قُبِضَ بلب الْمَرْأَة يتعاتب بِهَا الْأَفْعَالُ :
هَل تَعْلَمِين ؟ ! مِنْ الْمَمْنُوعِ تواجدك مَع جُثَّة مَقْتُولَة ، ثَبَتَ مِنْ قَاتِلِهَا .
أَجَابَت زَوْجَة الرَّاحِل :
تَعْلَمُونَ مِنَ هُوَ الْقَاتِلُ ؟ ! لِمَاذَا لَا أَوْدَعُ مِنْ أَحْبَبْتَ وهدرت أَمَّ الرَّجُلُ بِدِمَائِه .
قَالَ الْمُحَقِّقُ يَلْتَمِس الْعَزْر مُتَأَثِّرًا :
أَشَدّ آزَرَك سيدتي ، واحضك عَلِيّ تَحْمِل الرَّحِيل ، الزَّوْجَات المخلصات دَائِمًا فِي مَلَامَةٌ .
جَلَسَت وَالِدِه الرَّاحِل ، فِي أَشَدِّ لَحَظَات الْمُعَانَاة ، الَّتِي تُشْعَرُ بِهَا الْأُمُّ عِنْدَ رَحِيل أَحَبّ أبنائها إلَيْهَا ، وزفرت آه أُحْرِقَت كُلّ الْأُمُومَة بِهَذَا الْعَالِمِ الْغَادِر ، حَتَّي قَبَضْت بيداها الْمُتَآكِلَة بِالْعَجْز احدي ازْرَع الْمَقْعَد الخشبي ، وَبَاتَت عِظَامِهَا وَأَدَقّ تَفَاصِيلِهَا تَرْتَعِش بِعَنَاق كُلِّ كَلِمَةٍ ، لَهَا الْأَمْرِ فِيمَا يَخُصُّ الْقَضِيَّة .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق مُطَوَّلًا لِتِلْك الْعُيُون الخاضعة لليئس ، حَتَّي جَذَب حَالُهُ بَيْنَ الاقْتِناع بالإدانة أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا .
سَرَدْت الْمَرْأَةِ مِنْ صَخَب الْعَطَاء وَالْحَبّ لِابْنِهَا الْوَحِيد ، الَّذِي دَفَعَ الْمَرْأَة المتهمة ، أَن تتنازل بِكُلّ إرْثِهَا لِابْنِهَا الْوَحِيد ، حَبِيب قلبيها وَقُرَّة عُيُونُهَا ، كَمَا قَالَتْ ، حَتَّي بَكَت وَسَقَطَت عُنُقِهَا فِي عُمْقِ رَقَبَتِهَا متكومة تتلفظ بِصَوْت ضَعِيفٌ الْإِلْقَاء :
كَيْف لِي أَنْ أَقْتُلَ بَنِي الْوَحِيد يابية ؟ !
أَنَّه ابْنِي وَأَخِي وَرَائِحَة مِنْ زَوْجِي الْغَالِي ، رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ .
تَمَلَّكْت الرَّأْفَة مِنْ قَلْبٍ الْمُحَقِّق ، بَعْدَ أَنْ صَدَرَ سُعَال وَعْدَه ارتعاشات مِن الكاهلة ، حَتَّي أَشَارَ لَهَا وَكَأَنَّه يتسأل بِنَفْسِه :
مَاذَا بِشَأنِك أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ .
دَخَلَ الطَّبِيبُ الشَّرْعِيّ يُفَسَّر بَعْضًا مِنْ الْأُمُورِ قائلاً بِكُلّ تَأْكِيدٌ :
بِكُلّ الْمَقَايِيس الْأُمّ مدانه ، البصمات الَّتِي كَانَتْ عَلِيّ الكَأْس ، وكاميرات الْمُرَاقَبَة بِمَدْخَل الْغُرَف واخري بِغَرْفَة الطَّهْي .
اِنْبَعَج الْمُحَقِّق بِحَرَكَة تَمَنّ عَن وَضْعِيَّةٌ مُرِيحَة ، حَتَّي قَال :
آلِيا بِبَعْض التَّفَاصِيل .
وَأَصْل الطَّبِيب الشَّرْعِيّ :
تَبَيَّنَ مِنْ دَرَجَةِ حَرَارَةِ الجُثْمان ، مِيقَات الْوَفَاة ، السَّاعَة التَّاسِعَة وَنِصْف صَبَاحًا ، بَعْدَمَا أُتِي بَلاغٌ بِمَقْتَل رَجُلٌ فِي تَمَامِ السَّاعَةِ العاشِرَةِ تَمَامًا .
أَخَذ الْمُحَقِّق نَفَساً طَوِيلاً وَهُوَ يُعَيِّنُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ :
مَاذَا قَالَت الكاميرات ؟ !
أَجَاب الطَّبِيب الشَّرْعِيّ مُتَحَيِّرًا :
بَعْدَ الْوَفَاةِ تَوَقَّفَت كُلّ الكاميرات عَنِ الْمُراقَبَةِ إلَّا كاميرا غَرْفَة الطَّهْي ، ومازالت تَعْمَل .
تَفَكَّر الْمُحَقِّق حَتَّي قَال :
أَحْضَرَت الْعَجُوز كَأْس الليموندا بِالسُّكْر الْمَسْمُوم ، بَعْدَ وَضْعِ السُّمِ بِه ، ثُمَّ قَدِمْتُ الكَأْس لِابْنِهَا .
مِنْ الطَّبِيبِ بِإِشَارَة مِنْ رَأْسِهِ قَائِلًا :
هَذَا مَا حَدَثَ بِالْفِعْل .
تَسْأَل الْمُحَقِّق :
مَا الدَّافِع وَرَاء ؟ ! وَضَع الكاميرات فِي هَذَا التَّوْقِيت ، ثُمَّ رَفَعَهَا عَنْ العَمَلِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ !
أَشَار الطَّبِيب :
قَالَت زَوْجَة الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ :
حَاوَل سَطْو احدي الْمُجْرِمِين عَلَيْهِمْ لَيْلًا ، قَد رَآهُم أَخِيهَا الصَّغِير ذُو الإِعاقَة الْخَاصَّة ، فَكَانَ الْأَمْرُ مُخِيف ، حَتَّي قَرَّرْت صَنِيع الْمُرَاقَبَة .
اسْتَكْمَل الْمُحَقِّق :
وَبَعْد تَفْرِيغ الكاميرات ، رَأَيْتُم الْغَرَابَة .
الطَّبِيب :
رَأَيْت الْعَجُوز تَضَع السُّمّ بكوب اليمونادا ، ثُمَّ دَخَلَتْ غَرْفَة ابْنِهَا تَقَدَّمَه لَه ، ثُمّ اسْتَرْجَعْت كَأْس اليمونادا الْفَارِغ ، وَعَادَت إدْرَاجُهَا بِغَرْفَة ابْنِهَا الْوَحِيد .
الْمُحَقِّق :
أَيْن كَانَتْ زَوْجَتُهُ بِتِلْكَ السَّاعَة ؟ !
الطَّبِيب :
كَانَت بِالْغُرْفَة امْرَأَتَان وَرَجُلٌ ” الزَّوْجَة وَالْأُمّ والراحل”
الْمُحَقِّق :
أَيْنَ كَانَ المعاق ؟ !
الطَّبِيب :
لَم تَرَصَّد الكاميرا تحركاته فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ .
جَلَسَ الرَّجُلُ بِكُلِّ وَقَارٌ حَتَّي قَام بِضَبْط رَأْس الكرافات لعنقة قَائِلًا :
أَرْجُو إخْرَاج موكلتي مِن الْحَجْز لِعَدَم إِسْنَاد الْأَدِلَّة لشئ مَادِّيٌّ ، أَو إشْهَار بَعْض الْقَرَائِن عَلِيّ دَعْوَة ، كَانَ لَهَا الشُّهُود عِيَان بِقَتْل الضَّحِيَّة .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق لِرَجُل قَائِلًا :
ستخرج بِكَفَالَة مَادِّيَّة ، نَظَرًا لعمرها التسعيني ، لَكِن اُحْظُر أَنَا تُسَافِر أَو تُغَادِر لِأَيِّ سَبَبٍ .
بهتت زَوْجَة الرَّاحِل عِنْدَمَا رَأَت الْعَجُوز ، تعاود إدْرَاجُهَا نادمة بَاكِيَةٌ ، وَسُرْعانَ مَا بُدِّلَت جِلْبَابهَا وَارْتَدَّت مُلَابِسٌ تُشْبِه مُلَابِسٌ لَيْلَةَ قُتِلَ ابْنِهَا الْوَحِيد .
كَانَتْ لَيْلَةُ عُسَيْرَة ، حِينَمَا أُعِدَّت الْعَجُوز كَأْسٌ مِنْ اليمونادا ، و قَدَّمْته لِزَوْجِهَا ابْنِهَا الرَّاحِل ، حِينِهَا تَفَكَّرْت الزَّوْجَة ، مَاذَا حَدَثَ آنذاك الْيَوْم .
قَامَت بِدَفْع رَذاذ مِنْ الْمُخَدِّرِ بِأَنْف الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ النَّائِم ، وَارْتَدَّت مُلَابِسٌ الْعَجُوز ، مَرَّت إمَام الكاميرا لَتَضَع السُّمِّ فِي الكَأْسِ ، سُرْعَانَ مَا أَفَاقَت الْعَجُوز وَقُدِّمَت الكَأْس الْمَسْمُوم لِابْنِهَا .
أَتَمَنَّى زَوْجَة الرَّاحِل الْأَمْرِ بِنَفْسِ الصَّنِيع ، حَتَّي يَظُنّ الْجَمِيعِ إنْ وَالِدَهُ الرَّجُل هِي الْقَاتِلَة ، وَعَادَت الزَّوْجَة بِكَأْس الْمَسْمُوم ، وَحَاوَلْت أَن تُلْقِيه بِجَوْف الْعَجُوز ، حَتَّي تَقُول لِلْجَمِيع :
انتحرت الْعَجُوز لِكَي تَرْتَاح مِنْ عَذَابِ الضَّمِير .
إنَّمَا كَانَتْ الْمُفَاجَأَة . . )
حِينَمَا ظَهَر رِجالُ الشُّرْطَةِ ، مِنْ خَلْفِ السَّتَائِر وَمَنْ خَلَفَ الْأَبْوَاب ، كَانَت الصَّدْمَة مُرْوِعَةٌ لِزَوْجَة الرَّاحِل ، حَتَّي وَقَعَت الْحُرُوفِ مِنْ فَاه مرتعشة ، تَقَفَّز السُّوء بالعلن :
كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْت هَذَا الرَّجُلُ الْجَاحِد ، وَكَانَت تَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الظَّالِمَة ، الَّتِي جَعَلَتْه أَكْثَر ظُلْمًا .
وَكُنْت اسْتَحَقّ الْعَيْشِ بَعْدَ مِيرَاث هَذَا الْمَغْرُور ، لَا تَنَعَّم أَنَا وَأَخِي المعاق الْمَحْرُوم ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ ، كَانَ الْجَمِيعُ يَسْتَحِقّ .
نَظَرٌ الْمُحَقِّق لِلْعَجُوز الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ هَوْلِ الْمُفَاجَأَة بَعْدَمَا أَفَاقَت ، حَتَّي غَاصَت اعصابها
فِي بُحُورِ الارتعاشات والصعقة ، ضَاق هيكلها الصَّدْرِيّ ، اعتصرالرئة ، حَتَّي فَاضَت أَنْفَاسُهَا الْأَخِيرَة ، بَعْد شَهْقَة نَاخِرَه أَخِيرَة ، بِعَيْن مُثْبِتَةٌ عَلِيّ قَاتَل ابْنِهَا الْوَحِيد ، حَبِيب قَلْبُهَا وَقُرَّة عُيُونُهَا