نقشٌ للفرحِ : رقصُ النّبيّةِ !بقلم الكاتبة عهود عدنان نايلة
نقشٌ للفرحِ : رقصُ النّبيّةِ !
النّبيّةُ ترقصُ الباليه على أجنحةِ الحمامِ وتهربُ بعيدًا إلى لا هناكَ ولا طريقَ ولا رسالة … النّبيّةُ تتناسى دفترَ عائلتها جانبًا، وتتركُ الحقيقةَ على الأرضِ لتتهجّدَ روحها قليلاً بعيدًا عمّا يقتنصُ قلبها من حلمها، ترمّمُ ما تبقّى من داخلها، وتتزيّنُ بكحلِ اللّازورد، تبلّلُ شعرها بمطرِ الحنين لا إلى سواها، يلينُ قلبُها لتقاسيمِ الفرحِ في وجهها ويستكينُ لرقصٍ مُدمَجٍ على إيقاعٍ ملحميِّ الهجرِ والأنين ! تلقي تحيّةً على آخرها – القمر ، يقولُ لها : إلى أينَ السّبيل؟ توميءُ برأسها أن لن تكلّمَ اليومَ أحد ، يقولُ لها مستجديًا: أنا أنت ولستُ أحد ! تكتبُ له على رملِ الخطى: أنا لستُ أنا، أنا لستُ أناكَ ولستُ أحد ! تتركها أو تتركه – فلا فرق – تسيرُ دونَ ظلٍّ فيبتهجُ قلبها حقًا، تشعُّ بالدّلالِ .. تسفرُ أفراحُها عن أمانٍ زائدٍ مجرّدٍ عن أيِّ شوائبَ فكريّة أخرى، فتنعمسُ في الرّقصِ، رقصٌ حقيقيٌّ لا يشبه ما كانت قد حفظته عن ظهر قلبٍ، حينَ كانَ يلتفُّ حبلٌ مزيّفٌ في الهويّةِ: طوقُ حمامٍ، حولَ رقبتها.. ويشدّ يشدُّ حتّى تلفظَ آخرَ أنفاسها، تسقظُ وهي تظنُّ أنّها ماتت وانتهت من كلِّ تلكَ التّضحيات السّخيفات لتكتشفَ أنَّ أحدهم قد نسلَ حبلَ المشنقة ولم يكتمل موتها لتموتَ كما يموتُ الموتى، لتعيدَ الكرّةَ كلَّ يومٍ مرّتين……………..
النّبيّةُ تغمضُ عينيها وتستمرّ في الرّقص، جسمُها مرتكزٌ على قدميها .. كليهما، تنتابها غبطةٌ غريبةٌ أنَّ قدميها حرّتانِ منطلقتان، مشدودتانِ إلى أقصى انحلالها في إيقاعِ انفكاكها بكلِّ ما وهبته لنفسها من قداسةِ العلوِّ .. لا نهائيٌّ هو المسيرُ دونَ دربٍ .. أو طريقٍ معبّدٍ بظلامِ الكَسْرِ والنّكران ! يغريها الرّقصُ بلا صوتٍ ولا صمتٍ .. أغنيّةُ النّبيّةِ إيقاعُ رؤى تأبى الظّهورَ للمبصرين، إيقاعُ النّبيّةِ شغفٌ وعطرٌ ونسيانٌ غارقٌ وارتعاشةٌ وهذيانٌ وحضورٌ واكتمال ! تواصلُ الرّقصَ، لا تدوسُ على جثثِ الذّاكراتِ، ولا يتراءى لها قمحِ الكفافِ مغمّسًا في دمِ الشّهداء والجياعِ والمستضعفين! رقصُها مرادفٌ لرقصها، وحدهُ هكذا لا هواءَ يكفي ليتنفّسَ غيرها معها ولو كانَ آخرها الّذي تركتهُ، ولا تعرفُ إن كانت حيّةً في مكانٍ ما .. أو ماتت في مكانٍ ما، تحدِّثُ لا أحد: كأنّني في الجنّةِ؟ هذا الرّقصُ الحلال ؟ على الإيقاعِ اللايكونُ لغيري ولم ألتقِ بهِ في الصّحوِ قبلا؟ هذا المدى اللّامكتمل بخيباتِ الأملِ، خفيفةٌ روحي، خطايَ أسرعُ من أنفاسي ومن ارتعاشاتِ النّبضِ في خافقي؟ كيفَ لي أن أنتشيَ سلامًا وأمانًا وأن أتقنَ كلَّ هذا الرّقص وأنا لم أجرّبه أبدًا .. أساسا لم يكن لي أن أجرّبَ نورَ الشّمسِ قبلا ، ولم ألتفت لمقعدٍ خشبيٍّ إلى جانبِ الوجودِ .. فالمكانُ كانَ لا ينقصني، ولم أكن لأكتملَ به ! تشدّها الإيقاعاتُ من حوارها .. في قفزةٍ كبيرةٍ تعودُ إلى ساقِ الارتكازِ، وتنهمكُ.. تلجُ اللّحنَ .. حركاتها تنثرُ تكوينَ أبجديّاتِ القصائدِ الجديدة عن الآلهات وزهرِ المستحيلِ وانتصارِ اللّاظلِّ ! وقعُ خطواتها إجاباتُ أسئلةٍ لم تجرؤ على التّفكيرِ بها قبلا .. تقترفُ خطيئةً واحدةً في رقصها، لا تحتاجُ غفرانًا من أحد أو لا أحد … خطيئةُ الفرحِ المطلقِ، كما لن يكونَ لسواها ولم يكن لأحدٍ قبلها ! لا مفتاحَ … لا بابَ .. لا دربَ .. لا دليلَ .. لا مرايا .. لا رجوعَ .. لا تذكّرَ .. لا سيرَ .. لا أبَد !!!!! هي لا تعرفُ سوى أنّها تنهمكُ رقصًا، ترقصُ،وترقصُ،وترقصُ.. لا تقتسمُ إيقاعَ الصّعودِ مع أحدٍ .. لا تتحدّثُ أيَّ لغةٍ مع أحد .. لا يكسرها أحد … لا يلفتها أحد … لا يغمرها أحد .. تنبعثُ منها لا من أحد … نقشُ رقصِها لها وحدها وليس لأحد .. أيِّ أحد …… ترقصُ .. لا أحد … تكملُ الرّقصَ لا أحد .. تغفو وهي مستمرّةٌ في الرّقصِ وتصحو ولااااااااااااااااااااااااا يقتلها أحد !!!!
عهود عدنان نايلة
9 -تمّوز-2020م
الأردن – سوريا / الإمارات