الغذاء الأخضر بقلم :”خولة حضري” 📝
لطالما عرفت الجزائر بإمتدادها الجغرافي وتنوعها السكاني والثقافي ، إذن إن هذا التنوع لم يمس أبدا بالوحدة الوطنية للشعب الجزائري على العكس تمام فهذا التنوع كان فخرا يعتز به كل مواطن جزائري ، وبما أننا تحدثنا عن التنوع الثقافي فهذا يأخذ أذهاننا نحو التنوع في صنف الطعام والأكلات فلكل منطقة في الجزائر طبخها وطريقتها الخاصة في إعداد صنف معين من الغذاء ، إلا أنني إرتأيت أن أتحدث عن منطقتي وهي منطقة الصحراء بالتحديد الواحات .
وهي عبارة عن أودية وأشهرها هو “واد ريغ” وهو منطقة سكانية تضم ولاية ورقلة ،وأهم مدنها هي “تقرت” أو “البهجة ” مدينة صحراوية جميلة عرفت بغاباتها وحب سكانها وميلهم للزراعة بجميع أنواعها ،إلا أنهم تميزوا بزراعة عشبة مميزة تسمى”بندراق” و”البيطراف الأخضر” ، تحضر هتان العشبتان بنفس الطريقة ،إلا أن الاختلاف يكمن في الفصل إذ أن عشبة “البندراق” تأتي في الصيف أما ” عشبة “البيطراف” تأتي في الشتاء ، لكن الأشهر في الاستهلاك هي ” البندراق” إذ نجد أكثر البيوت في مدينة “تقرت” تقوم بتنظيف هذه العشبة وتنقيتها من الأوراق الفاسدة ثم يعملون على تقطيعها بشكل رقيق وتعريضها لأشعة الشمس حتى تصبح يابسة ثم تخزن وتستهلك في الشتاء.
هذه العشبة تحضر بشكل مرق أخضر يطهى مع الخضر واللحم والفلفل الحار ويرفق بالكسكسي ، أغلب السياح الذين جاءوا إلى منطقتي لم يستحسنوا شكلها ولكن عند تذوقهم لها نالت إعجابهم أو بالأحرى انبهروا، فطعمها لأزيد عليكم أو أبالغ حين أقول أنه أكثر من رائع ، هذه أشهر أكلة في منطقة” تقرت”.
ولعل أحدكم يسأل عن سبب تسميتها بإسم”بندراق”، كان هذا سؤال يجوب عقلي دائما رغم أني أحد سكان المنطقة ،فجعلت نفسي أسأل وأسأل المسنين القدامى لأن هذه الأكلة عرفت قبل الإستعمار الفرنسي ، فحدث أن وقع السؤال على أذني (عمي عيسى) ،أحد جيراننا وهو رجل كبير في السن فأخبرني بقصة تسميتها ب”بندراق” فأجابني قائلا:
كان الرجال الفرنسين الذين جاؤوا إلى منطقة الصحراء مسيطرين على الغابات وكان سكان منطقة “تقرت” يعملون عندهم وفي وقت الغذاء تحضر النسوة لهم الطعام وكان أغلب طعامهم هذه العشبة التي كانت بدون تسمية حينها ،ففي أحد الأيام وكالعادة أنهى العمال عملهم وجاء النسوة بالغذاء المكون من الكسكسي ومرق العشبة، وفي تلك اللحظة حضر أحد الرجال الفرنسين وشاركهم الطعام وحين فرغوا من الأكل لم يشعر بنفسه إلا وهو نائم على الارض مع العمال ،وحين استيقظ نظر إليهم وقال ” يا إلهي هذا الطعام bon drog أي مخدر قوي باللغة الفرنسية ” ومن يومها أصبح اسم العشبة وعلى طريقة سكان المنطقة “بون دروڨ” وتطور بها الأمر لتلفظ بسرعة”بندراق”.
لم أتمالك نفسي من الضحك من قصتها ،ولكن تظل هذه الأكلة فخرا وشعار لسكان منطقة “تڨرت” فلا أحد يزور “واد ريغ” ولا يتذوق “البندراق”.
خولة حضري
الجزائر